للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحبس المعقب (الأهلي أو الذري) :

الوقف على القرابة أو الأولاد من صور الوقف في الإسلام، والواقف في هذا الوجه يراعي حاجات أبنائه إلى مورد رزق متواصل بعد وفاته، فيقف عليهم ما يضمن ذلك المردود ويسعفهم بصدقة لا تنضب، وقد أقر الفقه الإسلامي هذا النوع من الوقف، واعتبره من أفضل القربات لقوله عليه الصلاة والسلام: ((صدقتك على غير رحمك صدقة، وعلى رحمك صدقة وصلة)) (١) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة: ((أرى أن تجعلها في الأقربين، فجعلها في أقاربه وبني عمه)) .

ويذهب الفقهاء إلى أن الشخص إذا حبس على معينين أو لمدة وانقطع المعين بالموت أو انتهت المدة أنه يرجع ملكاً للمحبس، ويصير بعده حبساً إلى أقاربه، وكذلك الشأن إلى ذكر غير معينين وقال "حياتهم"فانقرضوا، فإنه تصير ملكاً له لدى حياته وإلى ورثته من بعده (٢) وفي مذهب أحمد والشافعي وغيرهما أن الوقف إذا كان على جهة فانقطعت، فإنه يعود إلى أقرب أقارب الواقف الفقراء، وبعدهم المساكين، وإذا كان أقارب الواقف أولى بالوقف عليهم عند عدم النص على حكمهم، فإنهم يكونون أولى بالوقف عند النص عليهم.

وقد اعترض من اعترض على هذا الوقف بأمور منها:

١-أنه حبس عن فرائض الله، حيث يمنع الواقف الورثة أو بعضهم من حق الميراث المفروض، أو ينقص قدره، ولذلك منع بعض الفقهاء هذا النوع من التصرف إذا ظهر فيه قصد الإضرار بالورثة، يقول مؤلف (الروضة الندية) في شرح قول مؤلف (الدرر البهية) (٣) : "من وقف شيئاً مضارة لوارثه كان وقفه باطلاً"قال: "لأن ذلك مما لم يأذن به الله سبحانه، بل لم يأذن إلا بما كان صدقة جارية ينتفع بها صاحبها لا بما كان إثماً جارياً وعقاباً مستمراً"بدليل القرآن، وقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا ضرر ولا ضرار في الإسلام)) ، قال: "والحاصل أن الأوقاف التي يراد بها قطع ما أمر الله به أن يوصل ومخالفة فرائض الله عز وجل فهي باطلة من أصلها لا تنعقد بحال وذلك كمن يقف على ذكور أولاده دون إناثهم وما أشبه ذلك ... وهكذا وقف من لا يحمله على هذا الوقف إلا محبة بقاء هذا المال في ذريته، فإن هذا إنما أراد المخالفة لحكم الله عز وجل، وهو انتقال الملك بالميراث وتفويض الوارث في ميراثه يتصرف فيه كيف يشاء" ومثله للشوكاني في (السيل الجرار:٣/٣١٦) .


(١) لم أقف على نص الحديث بلفظه المذكور، لكن يدل عليه حديث النسائي في سننه رواية عن سلمان بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثتنان صدقة وصلة)) ذكره في كتاب الزكاة، الحديث رقم: ٢٣٥٥.
(٢) البيان والتحصيل.
(٣) الروضة الندية: ٢/١٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>