وقد تمسك بهذا الاعتراض فريق من أهل الرأي وعلماء الأزهر في العصر الحديث وأثاروا زوبعة حول أدلة المجيزين، وقد ناقش آراءهم فقهاء آخرون، في مقدمتهم الفقيه محمد أبو زهرة الذي أكد صحة الوقف على الذرية والورثة مادام للواقف غرض صحيح في دفع الحاجة وغائلة الفقر والحرمان عنهم:"إذا كان غرض الواقف كذلك، فوقفه صحيح لا ريب في صحته، لأن الوقف صدر من أهله مستوفياً شروطه، وكان على جهاته، وليس في شرطه هذا مخالفة للمبادئ الشرعية في شيء، ولا محاربة لنظام المواريث الذي سنه الله، ومن هذا النوع أن يقول الواقف مثلاً: أن من يركبه دين من ورثته ويعجز عن أدائه أن يسدد من غلات الوقف دينه، ومثله كل شرط ينبئ عن الحاجة، ويشعر بأن صرف الغلات إلى الورثة منوط بها، لأن هذا يدل على أن الواقف ما قصد به إيثاراً لبعض الورثة على بعض، بل قصد إيثار ذوي قرباه عند احتياجهم وذلك أمر مبرور يحث عليه الشرع، ويدعو إليه"(١) .
٢- أنه يمنع المستحقين من التصرف في الأموال الموقوفة فتخرج الثروة من دائرة التعامل والتداول إلى دائرة الجمود والركود.
٣- أن فيه خراب الموقوفات من جهة سوء إدارتها من قبل النظار والمديرين لانتفاء مصلحتهم الشخصية في عمارته.
٤- أنه يؤدي إلى تواكل الموقوف عليهم وكسلهم عن العمل المنتج اعتماداً على موارد ثابتة.
٥- أنه يضعف من قوة الملكية الفردية لمصالح وقف جمعي غير منتج.
والجواب عن الاعتراضات الأخيرة يكون بإصلاح إدارة الوقف، والحرص على قاعدة التعمير التي هي شرط عند الفقهاء، وأن هذا الوقف ليس فيه إنهاء للملكية الفردية، فالملكية الفردية هي الأصل في التشريع الإسلامي الذي يجيزها ويحرص في الوقت نفسه على إنشاء حقوق للضعفاء والمحرومين مما تطيب به نفس المحسنين من الأمة، وهذا الوقف يعزز الملكية الفردية ويطهرها من رذيلة البخل والأنانية والشح، وهو من باب التضامن الاجتماعي ولو على صعيد الأسرة التي هي النواة الاجتماعية للأمة، بصلاحها يصلح المجتمع، وبفسادها وتدهور أوضاعها تختل أحواله وتضطرب أعماله وتنحل روابطه.