فإذا أردنا أن نقوم بمشروع معين، فعلينا أولا بدراسة الجدوى الاقتصادية لذلك المشروع، وتتمثل في تكاليف إنشاء ذلك المشروع لأن كل مشروع استثماري يبدأ أولا بخسارة مؤكدة تساوي تكاليف إنشائه، ثم ينظر في دراسته من حيث ما يعود بدخله في المستقبل وما يحتمل أن نحصل عليه، بذلك ندرك مصلحة المشروع من عدمه وهل يقدم عليه أو يضرب عنه صفحاً ويتحول إلى غيره، إذ كل مشروع دائماً يبدأ بالأخذ وليس بالعطاء، وأي مشروع استثماري لا يمكن أن يعتبر مقبولاً ما لم يكن يعدنا بدخل يتجاوز التكلفة الأولي للقيام به، وحيث إن النفقة البدائية لكل مشروع هي نفقة مؤكدة قطعاً، بينما الدخل الذي سيتولد منه إنما هو دخل مظنون عبر سنوات عديدة قد تقل وقد تكثر حسب المشروع في الزمن المستقبل، فلذا لا يكفي أن يرد المشروع مقدار ما أنفق عليه أو يردها بزيادة ضئيلة متوقعة، بل ينبغي قبل الإقدام عليه أن نتوقع عائداً معتبراً خلال فترة عمر ذلك المشروع يتجاوز ما أنفق على المشروع بنسبة معقولة مقبولة اقتصادياً ليعوض المخاطرة التي تحملت عند الدخول فيه، وهذه المخاطرة هي التي تحملت تكلفتها المبدئية عند الإقدام على المشروع.
إن المشروع الاقتصادي عموماً يعتبر خاسراً ما لم يثبت بالتجربة أنه رابح، وهذا يرجع لقاعدة أن الأصل براءة الذمة، وبناء عليها فالأصل عدم الإدانة، وبالنسبة للمشاريع الاقتصادية تنعكس هذه الحقيقة، إذ قبل الإقدام على المشروع، فإن الخسارة هي المحققة ابتداءً بطريقة يقينية قطعية، حتى يثبت بطريق الدراسة أنها رابحة، والدراسة تفيد الظن لا اليقين، والواقع الخارجي هو الذي يحقق صحة الدراسة فيقع التطابق في الواقع والحقيقة.
وهذه هي المراحل الدراسية لجدوى المشاريع الاقتصادية، وهي تتركب من مرحلتين:
المرحلة الأولى: هي مرحلة أولية وهي دراسة موجزة إجمالية بتكلفة قليلة بالنسبة للتكلفة المستفيضة، يعرف بواسطتها إمكانية تحمل تكاليف دراسة الجدوى الاقتصادية مجملة، وليس من المناسب عند دراسة أي مشروع ما، أن نبدأ مباشرة بدراسة مفصلة مستفيضة، لأن لهذه تكاليف عالية، بل الوضع الطبيعي أن يبدأ بدراسة أولية قليلة التكلفة، فإذا بدأت النتائج إيجابية، انتقلنا إلى الدراسة التفصيلية المستفيضة والتي يقرر في الدراسة كل صغيرة وكبيرة من حيث التكلفة المالية والمدة الزمنية وطريقة المردودية، بل حتى تكاليف تشغيله وإدارته والدخل المتوقع من تشغيله، وهذه الأنواع الثلاث هي من المعلومات الضرورية المطلوبة، وهذا عمل متخصص يحتاج إلى فنيين ومهندسين وأهل اختصاص، وهو لا يوجد عادة لدى الجهات الوقفية.