للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قدمنا أن الفقهاء قرروا أن الإنسان إذا كان يقوم بعمل مالي نيابة عن سواه، فإنه ملزم بمراعاة مصلحة من استنابه أو وكله. ولذا منع الناظر للأوقاف من الإيجار بأقل من ثمن المثل وأنه لا يحق له أن يتبرع بتبرعات من مال الوقف حتى ولو كانت هذه التبرعات لأهداف نبيلة ومحمودة شرعاً، فالناظر كولي اليتيم لا يحق له أن يتبرع من مال اليتيم إطلاقاً، وحتى إذا كان محتاجاً فليس له أن يأخذ من مداخيل يتيمه إلا بالمعروف، إذ قال تعالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: ٦] .

ومثل ولي اليتيم الوصي على القصر والقيم على فاقد الأهلية وكذلك القاضي فممنوع عليه أن يقضي بالتبرع من مال اليتيم، بل يجب دوماً على متولي مال اليتيم وعلى القاضي إذا رفع له أمر يتصل بالأيتام أن يبحث عما هو أصلح لهم وأنفع مالياً باعتبار أن هؤلاء الأيتام عندما يبلغون سن الرشد يمكنهم أن يمارسوا حقهم في التبرع إذا شاؤوا، أما أن يتبرع إنسان على حساب غيره فهذا يؤدي إلى مفاسد واسعة وأضرار جسيمة، لذا اتفق الفقهاء على منعه.

ولقد توعد الله النظار في أموال الأيتام فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: ١٠] .

ولقد خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((ألا من ولي يتيماً له مال فليتجر فيه ولا يتركه حتى تأكله الصدقة)) (١) ، فأوجب على من تولى أمر يتيم له مال أن يعمل على ما ينميه كتجارة وغيرها، وأن لا يتركه حتى تأكله الزكاة، ومن هنا ندرك وجوب استثمار أموال الأوقاف قياساً على استثمار أموال اليتامى حتى تفنى وتنقرض بسبب المصاريف عليهم من دون تنمية لها.

وقد جاء في المعيار: المناسب لاختيار استثمار معين إذا طلبنا من إدارة الأوقاف أن تراعي مختلف الاعتبارات الاجتماعية في اختيار المشروعات، ومعنى ذلك أنها ستتنازل عملياً عن بعض الأرباح التي كان يمكن تحقيقها من استثماراتها لرعاية مقاصد أخرى حميدة في ذاتها ولكنها تؤدي إلى انخفاض في دخل الوقف نتيجة لذلك، ولذا فإنه يتعين علينا أن نعتبر أن ناظر الوقف بمنزلة ولي اليتيم عليه أن يرعى أموال الوقف بما هو أصلح مالياً للوقف.

وإن إدارة الأوقاف أو وزارة الأوقاف هي مؤسسة ترعى أموال الأوقاف بما هو أصلح مالياً للوقف، وهي مسؤولة عن تحقيق مختلف الأهداف الاجتماعية، وعلى هذه المؤسسة أن تحاول أداء مهمتها على أكمل وجه، سواء كان من جهة إيجاد وسائل لتثمير وتنمية مداخيل الوقف، أو من حيث تحقق تقديم الخدمات التي تشرف عليها على أفضل وجه ممكن، وهذا إنما يتحقق بالبحث في دائرة استثمارات الحلال التي تحقق أعلى عائد مالي يحقق ما قصد من الوقف، وهذا لا يتحقق إلا بمتابعة الدراسات التي بها تتحقق الأهداف المبتغاة.


(١) رواه الترمذي والشافعي والدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

<<  <  ج: ص:  >  >>