والغرض من هذا العقد كما هو ظاهر أن يستفاد من استثماره، وقد كان هذا العقد معروفاً منذ منتصف القرن الثالث الهجري، وبموجبه أخذت الأوقاف مبلغاً كبيراً نسبياً من المال الذي يقرب من قيمة الأرض، أخذت هذه الأموال مقدماً ولقاء ذلك يكون الموقوف عليهم قد باعوا حق الانتفاع من الأرض لهذا المستحكر مدة طويلة جداً، مادام المستحكر يدفع كراء أجرة المثل، وبهذا العقد يكون الوقف قد حصل مبلغاً كبيراً من المال معجلاً مع مبلغ صغير كأجرة سنوية، ومقابل ذلك قد تنازل الوقف عن الانتفاع بهذا العقار، ويمكن للوقف مقابل هذا المال الكثير الذي قبضه أن يستخدمه في تمويل عقارات وقفية أخرى يقع تمويلها بهذه الأموال.
والملاحظ أن حق الحكر ليس من قبيل حق الانتفاع الذي ينتهي بموت صاحبه، كما أنه ليس من قبيل حق الارتفاق، لأن حقوق الارتفاق بأنواعها حقوق مقررة لمصلحة عقار على عقار آخر مجاور له، فحق الحكر حينئذٍ حق له طبيعة خاصة، ولو وازنا بين مزايا ومحاذير طريقة الحكر، لوجدنا أن مزيتها واضحة، إذ هي تسمح للأوقاف بالحصول على مبالغ مالية تكاد تساوي قيمة الوقف الممنوع شرعاً بيعه، ولكنها لقاء ذلك قد تنازلت عملياً عن أي منفعة يمكن أن تحصل عليها من هذا العقار الوقفي في المستقبل، لأن الأجرة السنوية المضروبة على الكراء ضئيلة جداً، فقد تكون الأجرة تساوي (٢.٥) من قيمة العقار، وهي أجرة رمزية بالنسبة للأجرة الحقيقية، ولذا لا يصح اللجوء إلى الحكر إلا في حالة خاصة ضرورية بدافع قلة ما في اليد لتنمية أموال الأوقاف لإصلاحها.
ولذا نجد اليوم قد يباح انتفاع الوقف للمحتكر لا إلى الأبد أو انعدام الانتفاع بالحكر، وإنما يكون لمدة زمنية كعشرين سنة أو خمسين سنة مثلاً، ثم يرجع الانتفاع للموقوف عليهم، وهذه الطريقة هي أخف من الطريقة الأولى لأنها ليست طريقة أبدية، لأن المحتكر ما دام يدفع الأجرة السنوية المضروبة على الحبس مادام له الحق في البقاء، وليس للموقوف عليهم أو لناظر الوقف إخراجه من الأرض.
والحق أن المنطق الاقتصادي يقتضي أننا ضحينا بعقار وقفي معين عن طريق حق الحكر فيه إلى استخدام المال الذي أخذ في استنقاذ عقارات وقفية أخرى ونقلها من وضع غير مفيد إلى استثمارها بطريقة مفيدة تدر المال الكثير على الموقوف عليهم.