والخلاصة أن التحكير في الأوقاف يمكن استخدامه كوسيلة تمويل لعقارات الأوقاف، وذلك باستخدام المبالغ المعجلة من ذلك العقار الوقفي وفي أوقاف أخرى كإشادة بناء على العقار الموقوف أو إنشاء حوانيت تدر على الموقوف عليهم أموالاً طائلة، ولقد بحث الفقهاء ذلك، عندما نشبت حرائق هائلة في أكثر العقارات التابعة للأوقاف بالقسطنطينية بعد سنة ألف وعشرين للهجرة، فعجزت غلات هذه العقارات عن تجديدها، وقد تشوه منظر البلدة، فابتكر الفقهاء طريقة الإجارتين تشجيعاً على استئجار هذه العقارات لتعميرها اقتباساً من طريقة التحكير في الأراضي الوقفية، وحقيقتها عقد إجارة مديدة بإذن القاضي الشرعي على عقار الوقف المتدهور الذي يعجز ناظر الوقف عن إعادته إلى حالته من العمران السابق بأجرة معجلة تقارب قيمته تؤخذ لتعميره وأجرة مؤجلة ضئيلة سنوية يتجدد العقد عليها تدفع كل سنة، وكل ذلك كمخرج لعدم جواز بيع الوقف وإجارته مدة طويلة، وسميت هذه بالإجارتين لأن هناك إيجار يدفع ناجزاً يقارب قيمة الأرض، وإيجار ضئيل يدفع في آخر السنة ويتجدد كل سنة.
والفرق بينهما وبين الحكر أن البناء والشجر في الحكر ملك للمستحكر لأنهما أنشئا بماله الخاص بعد أن دفع إلى جانب الوقف ما يقارب قيمة الأرض المحكرة باسم الأجرة المعجلة، أما في عقد الإجارتين فإن البناء والأرض ملك للواقف لأن عقدها إنما يرد على عقار مبني متداع يجدد تعميره من الأجرة المعجلة نفسها التي استحقها الوقف.
ومن الوجوه التي تمكن من تثمير الأوقاف صورة عكسية لما تقدم تكيف بها صيغة العقد وهي إنشاء عقار يبنى على أرض الوقف بثمن مؤجل وذلك بأن يعلن ناظر الوقف بأن هذه الأرض الوقفية مستعدة للسماح لجهة تمويلية بأن تبني بناء على هذه الأرض الوقفية يكون ملكاً للشركة التي بنته، ولكن الأوقاف هي الأحق بشرائه بعد إنجازه واكتماله، يدفع ثمنه أقساطاً مؤجلة، تدفع من الناظر أو من أهل الموقوف عليهم سنة بعد سنة تكون أقل من الأجرة المتوقعة من تأجير هذا البناء حتى تكون الأوقاف مطمئنة إلى أنها ستجد المال الكافي لتسديد أقساط ثمن البناء في المواعيد المحددة لهذا العقد، فالأرض أساساً للأوقاف وتنتقل ملكية البناء مباشرة إلى الأوقاف بعد إبرام العقد ويسترد ثمن البناء بالتدريج من المبالغ المتصلة (١) من الإجارة، وبالطبع تضع الجهة الممولة لبناء يدها على البناء المحدث لتضمن لنفسها أن الوقف سيسدد لها استحقاقاتها في المواعيد المحددة ثم بعد انتهاء فترة التمديد التي غالباً ما تكون فترة طويلة سيؤول العقار المستعمل إلى الأوقاف ليصبح ملكاً لها خالصاً، ويصبح الوقف بهذه الطريقة مالكاً للأرض ولما بني عليها بعد دفع كل الثمن الذي بني به، وهذا العقد أشبه ما يكون بعقد الاستصناع مع المؤسسة التي تكلفت بالبناء على الأرض الوقفية، ومعلوم أنه لا ممانعة من أن يكون عقد الاستصناع على ثمن معين مؤجل.