للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أثر المصلحة في الوقف

تعريف الوقف:

الوقف هو: الحبس، وهما لفظان مترادفان يعبر بهما الفقهاء عن مدلول واحد، وإن كان الرصاع يرى أن الوقف أقوى في التحبيس. (١)

ويطلق على ما وقف فيقال: هذا وقف فلان، أي الذوات الموقوفة فيكون فعلاً بمعنى مفعول كنسج بمعنى منسوج، ويطلق على المصدر وهو الإعطاء. وحده ابن عرفة بأنه: "إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازماً بقاؤه في ملك معطيه ولو تقديراً" (٢) .

وحده ابن عبد السلام بأنه إعطاء منافع على سبيل التأبيد وهو: "جعل منفعة مملوك ولو بأجرة أو غلته لمستحق بصيغة مدة ما يراه المحبس" (٣)

وعند أبي حنيفة: " حبس العين على حكم ملك الواقف والتصدق بالمنفعة" (٤) .

وقال ابن قدامة: "ومعناه تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة" (٥) .

إن هذه التعريفات تتفق في الجنس الذي هو الحبس، وبعبارة أخرى تتفق في الموضوع لكنها تختلف في المحمول وهو المحكوم به الذي هو (الفصل) أو (الخاصة) فالحد عند المناطقة يكون بالجنس والفصل، فإذا قلت في حد الإنسان: إنه حيوان ناطق، فحيوان جنس، وناطق فصل، ولتوضيح الفكرة نقول: إن التعريفات المختلفة تتفق على أن الوقف حبس للعين، وتختلف بعد ذلك في كيفيته فمنهم من يرى العين محبوسة على ملك الواقف كمالك وأبي حنيفة خلافاً لغيرهما، ومنهم من يرى جواز التوقيت كمالك، وهذا ما يشير إليه تعريف ابن عبد السلام المالكي بقوله: "مدة ما يراه المحبس" أن اتفاقهم في التحبيس ناشئ عن الحديث الصحيح ((حبس أصلها وسبل ثمرتها)) .

أما الاختلافات الأخرى فناشئة عن اجتهاداتهم في طبيعة هذا التحبيس هل هو إخراج عن ملك الواقف أو إبقاء لها على ذمته؟ قد لا نتوقف مع هذه المسألة إلا بقدر ما تخدم علاقة تأثير المصلحة في التعامل مع الوقف لاحقاً.

أصل مشروعية الوقف:

ما رواه الجماعة عن ابن عمر ان عمر أصاب أرضاً من أرض خيبر فقال: يا رسول الله أصبت أرضا ً بخيبر لم أصب مالاً قط أنفس عندي منه فما تأمرني؟ فقال: ((إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها)) فتصدق بها عمر على أن لا تباع ولا توهب.

وما رواه الشيخان عن أنس أن أبا طلحة قال: يا رسول الله، إن الله يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: ٩٢] وإن أحب أموالي إليَّ بيرحاء وأنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال: ((بخ، بخ، ذلك مال رابح مرتين، وقد سمعت، أرى أن تجعلها في الأقربين)) ، فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه.

وقد وردت أحاديث كثيرة عن أوقافه عليه الصلاة والسلام وأوقاف أصحابه، لذلك قال الترمذي: لا نعلم بين الصحابة والمتقدمين من أهل العلم خلافاً في جواز وقف الأرضين، وجاء عن شريح أنه أنكر الحبس، وقال أبو حنيفة لا يلزم، وخالف أصحابه إلا زفر. وقد حكى الطحاوي عن أبي يوسف أنه قال: لو بلغ أبا حنيفة لقال به (٦) .

بيان علاقة الوقف بالمصالح:

نقول أولاً: ما هي المصالح باختصار؟

المصالح أربعة أنواع: اللذات وأسبابها، والأفراح وأسبابها. هذا ما يقوله العز بن عبد السلام، وقال غيره (المصلحة) : جلب نفع أو دفع ضر، لأن قوام الإنسان في دينه ودنياه وفي معاشه ومعاده بحصول الخير واندفاع الشر. وإن شئت قلت: بحصول الملائم واندفاع المنافي (٧) .


(١) شرح الرصاع: ٢/٥٣٩.
(٢) المرجع السابق نفسه.
(٣) الشرح الصغير للدردير: ٤/٩٧.
(٤) حاشية ابن عابدين: ٣/٣٥٧.
(٥) المغني: ٨/١٨٤.
(٦) الشوكاني، نيل الأوطار: ٦/٢٠، ٢٢، ٢٦.
(٧) شرح مختصر الروضة للطوفي: ٣/٢٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>