ونظم ذلك ميارة في تكميل المنهج حيث قال:
الله جل شرع الأحكام لحكمة جليلة على ما
يشاء فاحذر أن تظن حكمه أو فعل ربك خلا عن حكمه
هذا وقد علم باستقراء أفعال رب الأرض والسماء
جلب المصالح ودرء المفسدة وذا الذي لخلقه قد عوده
ولابن عباس كلام أرشدا لذا فقد قال كبير الرشدا
إذا سمعت الله يدعوك فما إلا إلى خير تراد فاعلما
أو دفع شر فأفاد أنا الحكم مشروع لسر عنا
لكنه تفضلاً ليس يجب دع قول من ضل وزل وحجب
ثم الذي حكمته قد ظهرت وبرزت أسراره وبهرت
مثل زكاة فرضت ونفقات لسد خلات وجبر المتلفات
بأرش ما يجنى عليه فادر تحريم قتل وزنا وسكر
سرقة قذف لصون أنفس ونسب عقل ومال أنفس
فذا المعلل وما لم تبد حكمته تعبدا يعد
مع اعتقاد أنه لدفع الضر يشرع وجلب النفع
والعلماء قد ضربوا المثالا بملك قد عود الإجلالا
للفقهاء فرأينا شخصاً يوماً بإكرام له قد خصا
فالاعتقاد أنه فقيه لقدم العهد الذي يقفوه
(١)
وقال الشاطبي وهو يتحدث عما سماه بقصد الشارع في وضع الشريعة ابتداء: "إن وضع الشريعة إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معاً، وهذه دعوى لابد من إقامة البرهان عليها صحة أو فساداً، وليس هذا موضع ذلك، وقد وقع الخلاف فيها في علم الكلام، وزعم الرازي أن أحكام الله ليست معللة بعلة البتة كما أن أفعاله كذلك، وأن المعتزلة اتفقت على أن أحكامه تعالى معللة برعاية مصالح العباد، وأنه اختيار أكثر الفقهاء المتأخرين، ولما اضطر (الرازي) في علم الأصول إلى إثبات العلل للأحكام الشرعية أثبت ذلك على أن العلل بمعنى العلامات المعرفة للأحكام خاصة، ولا حاجة إلى تحقيق الأمر في هذه المسألة.
(١) لكل ما تقدم يراجع: شرح تكميل المنهج لميارة مخطوط، ص١١-١٢، شرح الفقيه ابن أحمد زيدان ص٩-١٠.