للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى ضوء هذه التوطئة عن المصالح يمكن أن نبحث عن مكان الوقف في سلم المصلحة، ونحاول استجلاء حكمته لنصل إلى تصنيفه ولنقدم الأسئلة العملية التي تترتب عليها نتائج في مجال الوقف.

إن السؤال المهم: هل الوقفية تتضمن معنى تعبدياً يمنع استغلال الحبس الاستغلال الأمثل والانتفاع به الانتفاع الأشمل والأفضل، أم أن الوقفية تتجاوز الألفاظ والمباني إلى المقاصد والمعاني وتبعاً لذلك لا تكون الوقفية حبساً على الاستغلال الكامل والانتفاع الشامل بل حبساً عليه؟

وبعبارة أخرى: هل الوقفية تعني المنع من التبذير والتبديد عن طريق المنع من تفويت الأصل مع تثميره لصالح الموقوف عليهم واعتبار الاستمرار في الوقفية لا في الذات الموقوفة؟

فينبغي أن نؤكد بادئ ذي بداءة أن الوقف ليس من التعبديات التي لا يعقل معناها، بل هو من معقول المعنى ومما أسماه ابن رشد بالمصلحي، وقد مر في كلام العز بن عبد السلام تصنيفه في معقولات المعنى فهو من نوع الصدقات والصلات والهبات، ففيه ما فيها من سد الخلات، وقد أكد القرافي ذلك المعنى حيث قال: " ولا يصحح الشرع من الصدقات إلا المشتمل على المصالح الخالصة والراجحة" (١) .

وقد قال القرافي أيضاً في الفرق الرابع والمئتين (بين قاعدة ما للمستأجر أخذه من ماله بعد انقضاء الأجرة وبين قاعدة ما ليس له) :

الفرق بين هاتين القاعدتين مبني على قاعدة وهي أن الشرع لا يعتبر من المقاصد إلا ما تعلق به غرض صحيح محصل لمصلحة أو دارئ لمفسدة، لذلك لا يسمع الحاكم الدعوى في الأشياء التفاهة الحقيرة التي لا يتشاح العقلاء فيها عادة (٢) .


(١) الذخيرة: ٦/٣٠٢.
(٢) ٤/٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>