للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوقف معقول المعنى مصلحي الغرض:

فهو يجمع بين الهبة والصدقة، إنه قد يكون هبة وصلة رحم بحسب نية الواقف والعلاقة بالموقوف عليهم، وقد يكون صدقة لوجهه تعالى مجردة عن كل غرض، وهو في حالتيه يخدم المستقبل ويدخر للأجيال المقبلة، وقد ترتبت عليه مصالح واضحة للعيان، لا بالنسبة للأفراد الذين قد تسطو عليهم عادية الزمان وتقسو عليهم صروف الدهر، فيعجزون عن العمل أو تنضب عليهم الموارد فيجدون في الوقف عيناً مدراراً ومعيناً فياضاً يحيي مواتهم وينعش ذماءهم وينقع غلبتهم ويبرئ علتهم فحسب، وإنما أيضاً بالنسبة للأمة التي تجد في الوقف مرفقاً اجتماعياً واقتصادياً لمساعدة الفقراء والمعوزين ومعالجة المرضى في المستشفيات الخيرية وتسهيل التنقل بالقناطر وحفر الآبار واتخاذ الصهاريج والجراميز والمصانع على الطرقات ذات المسافات البعيدة، ومؤسسة دينية وثقافية تشيد بيوت الله للمصلين وترفع صروح المدارس والجامعات للعملاء والطلاب والدارسين يأتيهم رزقهم بكرة وعشية بلا من ولا أذى، ليتفرغوا للعلم والبحث ونشر المعرفة. والوقف خير معين على الجهاد وحماية الثغور ببناء الربط والمركز في مناطق التماس مع العدو، وتقديم الدعم للمجاهدين فيما وقف في سبيل الله فيصرف منه أرزاقهم ويشتري به الكراع والسلاح.

قد ولج الوقف طيلة التاريخ الإسلامي في شرق العالم الإسلامي وغربه كل هذه الميادين بنسب متفاوتة وفي فترات من مسيرة هذه الأمة متباينة.

أمثلة التاريخ كثيرة ولعل من طريفها تلك الدعوى التي يقوم بها أشخاص ليسوا من مواطني قرطبة ينزلون بها فيرون أوقاف المرضى التي توفر ما يسمى بـ (الضمان الاجتماعى) في لغة العصر فيطالب هؤلاء الأشخاص بالإفادة من هذا الوقف (الضمان) فيفتي الفقهاء أن إقامة أربعة أيام في قرطبة تجعل الضيف مواطناً قرطبياً ليفيد من الأوقاف (١) .

ووقف الأموال لفداء أسارى المسلمين كما كان في الأندلس فقد كان عند أحدهم ستمائة دينار ذهباً وقفاً لفداء الأسارى (٢) .

لهذا نقول دون أدنى تردد: إن الوقف ليس من باب التعبد الذي لا يعقل معناه، بل معقول المعنى مصلحي الهدف.


(١) المعيار للونشريسي: ٧/٤٨١.
(٢) يراجع حاشية الرهوني: ٧/١٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>