لكن ما الذي يمكن للمصلحة أن تتدخل به للتعامل مع طبيعة الوقف التي تقتضي سكون اليد وبقاء العين ولو كان ذلك على حساب مصلحة المنتفع الآنية أو المستقبلية وهي مصلحة قد تكون محققة أو مظنونة.
هنا تختلف أنظار العلماء وتتباين آراؤهم من محافظ على عين الموقوف إلى ما يشبه التوقيف والتعبد، ومن متصرف في عين الوقف في إطار المحافظة على ديمومة الانتفاع وليس على دوام العين، ومن متوسط مترجح بين الطرفين مائس مع رياح المصالح الراجحة في مرونة صلبة، إذا جاز الجمع بين الضدين.
الفريق الأول: يمكن أن نصنف فيه المالكية والشافعية فلا يجيز الإبدال والمعاوضة إلا في أضيق الحدود في مواضع سنذكرها فيما بعد.
الفريق الثاني المتوسط: يمثله الحنابلة وبعض فقهاء الحنفية وبعض فقهاء المالكية وبخاصة الأندلسيين.
الفريق الثالث: الذي يدور مع المصالح الراجحة حيثما دارت وأينما سارت فيتشكل من بعض الحنفية كأبي يوسف ومتأخري الحنابلة كالشيخ تقي الدين ابن تيمية وبعض متأخري المالكية.
فلنقرر محل الاتفاق: وهو أن الأصل في الوقف أن يكون عقاراً: أرضاً وما اتصل بها بناء أو غرساً لا يجوز تفويت عينه ولا التجاوز به عن محله، واحترام ألفاظ الواقف وشروطه، بهذه الصفة يتفق الجمهور على صحته، بإضافة شرط ليضم إليهم أبو حنيفة وهو حكم حاكم به.
إلا أن هذا الأصل قد يقع التجاوز عنه لقيام مصلحة تقتضي ذلك من مذهب أو أكثر، ومن فقيه أو أكثر.
ولهذا نلاحظ اعتبار المصلحة وتأثيرها في المظاهر التالية:
١-وقف أموال منقولة غير ثابتة لا يمكن الانتفاع بها دون استهلاك عينها كوقف النقود والطعام للسلف أو النقود للمضاربة.
٢-أثر المصلحة في تغيير عين الموقوف بالمعاوضة والتعويض والإبدال والاستبدال والمناقلة.
٣-مراعاة المصلحة في تقديم بعض الموقوف عليهم على بعض نظراً للحاجة أو غيرها وتقديم بعض المصاريف.
٤-مراعاة المصلحة في منح جهات غير موقوف عليها من غلة ووفر وقف آخر على سبيل البت أو على سبيل السلف.
٥-تغيير معالم الوقف للمصلحة.
٦-مراعاة المصلحة في استثمار غلة الوقف لفائدة تنمية الوقف.
٧-التصرف في الوقف بالمصلحة مراعاة لقصد الواقف المقدر بعد موته.