للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبل الخوض في هذه المظاهر بشيء من التفصيل لنقل: إن أصل جواز التصرف في الوقف للمصلحة حديث حسان بن ثابت رضي الله عنه وهو في صحيح البخاري وغيره في شأن صدقة أبي طلحة لما نزل قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: ٩٢] ، وفي هذا الحديث "فتصدق به أبو طلحة على ذوي رحمه قال وكان منهم أبي وحسان قال وباع حسان حصته منه من معاوية فقيل له: تبيع صدقة أبي طلحة؟ فقال: ألا أبيع صاعاً من تمر بصاع من دراهم!

فهذا الحديث وإن كان الحافظ ابن حجر تأوله على أن الحديقة ما كانت وقفاً أو أن الواقف أذن في بيعها عند الحاجة فهي تأويلات غير ظاهرة، وابن حجر فرع في مواضع من كتابه على أن حديقة أبي طلحة كانت وقفاً والبخاري كرر ذلك في باب الوقف (١)

ومما يدل على أنها كانت وقفاً استشهاد العلماء بهذا الحديث في مسائل الوقف وجواب حسان حين قيل له: أتبيع صدقة أبي طلحة قال: ألا أبيع صاعاً من تمر.. ظاهر في أنه وقف وأن بيعه كان من قبيل الاجتهاد للمصلحة، وإنما كان قول أبي طلحة دالاً على الوقف (لأن الحوائط والدور والأرضين إذا جعلت في سبيل الله كانت ظاهرة في الوقف) كما ذكر الإمام ابن عرفة.

واستشهاد الحنفية لمذهب أبي حنيفة به كالطحاوي وغيره دليل على ذلك (٢) .

١-مسألة جواز وقف العين للسلف أو للمضاربة ووقف غير العين مما يحول ويزول كالطعام والنبات والبذور، وأما مسألة العين فقد ذكرها البخاري في صحيحه عن الزهري حيث قال: وقال الزهري فيمن جعل ألف دينار في سبيل الله ودفعها إلى غلام له تاجر فيتجر وجعل ربحه صدقة للمسكين والأقربين هل للرجل أن يأكل ربح تلك الألف؟ وأن يكون جعل ربحها صدقة للمسكين؟ قال: ليس له أن يأكل منها (٣) . ويقول ابن تيمية: وقد نص أحمد على منع ما هو أبلغ من ذلك (الإبدال) وهو وقف ما لا ينتفع به إلا مع إبدال عينه فقال أبو بكر عبد العزيز في (الشافي) نقل الميموني عن أحمد أن الدراهم إذا كانت موقوفة على أهل بيته ففيها الصدقة وإذا كانت على المساكين فليس فيها صدقة، قلت: رجل وقف ألف درهم في السبيل؟ قال: إن كانت للمساكين فليس فيها شيء. قلت: فإن وقها في الكراع والسلاح؟ قال هذه مسألة لبس واشتباه. قال أبو البركات: وظاهراً هذا جواز وقف الأثمان لغرض القرض أو التنمية والتصدق بالربح. كما حكينا عن مالك والانصاري قال: ومذهب مالك صحة وقف الأثمان للقرض، ذكره صاحب التهذيب وغيره في الزكاة وأوجبوا فيها الزكاة كقولهم في الماشية الموقوفة على الفقراء، وقال محمد بن عبد الله الأنصاري بجواز وقف الدنانير، ولأنه لا ينتفع بها إلا باستهلاك، تدفع مضاربة ويصرف ربحها في مصرف الوقف.


(١) يراجع فتح الباري: ٥/٣٨٧ – ٣٩٦ وما بعدها.
(٢) يراجع لذلك مهج اليقين للشيخ محمد حسنين مخلوف، ص ٢٩ – ٣١.
(٣) فتح الباري.

<<  <  ج: ص:  >  >>