للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي جواب للعبدوسي "بوقف غلات الأحباس حتى تدفع للمصرف المعين، ولا يصرف بعضها إلى بعض إلا على سبيل السلف" (١) .

وفي جواب للسرقسطي أنه لا يجوز إشراك مسجد حديث في غلة مسجد قديم إذا لم يكن ذلك التشريك من المحبس ومن فعل ذلك ارتكب منهياً عنه بكتاب الله تعالى إلى قوله: وإن اتسعت الغلة وكثرت لم يجز له (الناظر) استنفادها ويجب عليه ادخارها ليوم الحاجة إليه إذ قد تقل الغلة يوماً فلا يكون فيها محمل الحاجة، وهذا المعنى قرره ابن رشد في نوازله وأفتى به (٢) .

الغلة تستثمر في اشتراء أصول تكون محبسة.

وما ذكره ابن رشد في صرف الغلة في أصول أخرى تكون محبسة جرى به العمل، قال صاحب العمل المطلق:

وقد جرى عمل من تأخرا أن من الوفر لأصول تشترى

وإن يكن صاحب وقف ما أمر بالاشترا إذ ذاك من حسن النظر

قال في شرحه: "قال القاضي أبو محمد المجاصي رحمه الله: جرى عمل المتأخرين بإحداث أصول من وفر الحبس واستكثار الرباع من غلتها، وإن أنكره الشيخ القوري لما فيه من مخالفة المحبس في المصرف والمصير إلى التجارة. اهـ. من نوازله. وبمثل هذا القول المعمول به أفتى ابن رشد رحمه الله تعالى" (٣) .

وفتوى ابن رشد التي أشار إليها الفلالي ذكرها في المعيار في نوازل الأحباس عازياً إليه قوله: "وإن كان في الفاضل منها [الغلة] ما يبتاع به أصل يكون بسبيل سائر أحباسه فذلك صواب ووجه من وجوه النظر" (٤) .

فتحصل مما ذكروه أن بعضهم يرى إبقاءها مرصودة للمصالح الموقوفة عليها، ومن يرى اشتراء أعيان تكون وقفاً على الجهة الموقوف عليها وذلك استثمار في العقارات. أما الاتجاه الثالث فيرى أن تصرف إلى جهات خيرية أخرى، لأن إبقاءها مرصودة يجعلها عرضة لاعتداء النظار والحكام، وهذه العلة إذا أمنت فإن الباب يفتح أمام إبقائها مرصودة لمصالح الوقف.

والسؤال المهم: هل بالإمكان شرعاً تحريك الأموال المرصودة لاستثمارها ليزداد ريع الوقف ويكون أكثر استجابة للمصالح التي وقف من أجلها؟


(١) المعيار: ٧/٤٥.
(٢) المرجع السابق: ٧/١٢٢.
(٣) شرح العمل المطلق للمؤلف محمد بن أبي القاسم الفلالي: ٢/٨١-٨٢.
(٤) المعيار: ٧/٤٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>