للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المراد من هذه المقدمة تحرير المصلحة المعتبرة التي يمكن أن تؤثر في الوقف أنها مصلحة غالبة عادة يطلب جلبها شرعاً أو مفسدة غالبة عادة يطلب درؤها شرعاً، فإذا لم يقع تحقق غلبة المصلحة على المفسدة فإن الإبقاء على أصل الثبات في الموقف مسلم الثبوت، فليست كل مصلحة عارضة يمكن أن تزعزع أركان الوقف وتصرف بألفاظ الواقف عن مواضعها وتحرك الغلات عن مواقعها ويبقى الكلام نظرياً إذا لم نتحدث عن كيفية تحقيق المناط ومن يحققه على أرض الواقع.

إنه الناظر والإمام والقاضي وجماعة المسلمين، كل هؤلاء بحسب الأحوال وشروط الواقفين والظروف الزمانية والمكانية ونوع المصالح التي يتعاملون معها إذا كانت تقع في مرتبة الضرورات، كغابة الزيتون الموقوفة على مسجد يحتاج إلى ريعها لصرفه في المساعدة على بناء سور يحمي المدينة من هجمات العدو –كما تقدم- فعلى أولئك المذكورين أعلاه أن يقدروا رجحانية المصلحة وغلبتها على المفاسد التي قد تنشأ عن التصرف في الوقف، ولهذا اشترط الحنفية أن يتولى القاضي دون الناظر التحقق من المصلحة ليحكم بالاستبدال الذي لم يشترطه الواقف، قال في الإسعاف: "وأما إذا لم يشترطه فقد أشار في السير إلى أنه لا يملكه إلا القاضي إذا رأى المصلحة في ذلك ويجب أن يخصص برأي أول القضاة الثلاثة المشار إليه بقوله عليه الصلاة والسلام: ((قاضٍ في الجنة وقاضيان في النار)) ، المفسر بذي العلم والعمل لئلا يحصل التطرق إلى إبطال الأوقاف كما هو الغالب في زماننا (١) .

ولا يكتفي الطرسوسي بالقاضي بل لابد أن يكلف القاضي اثنين من الخبراء العدول الأمناء بعد أن يفحص القاضي بنفسه –إن أمكن- الوقف.

والاستبدال في هذه الحالة كالحال التي قبلها لا يصح إلا بإذن القاضي لأن القاضي هو الذي يقدر الحاجة (٢) .

من ذلك نرى أن القاضي هو قطب الرحى "فقد أشار في السير إلى أنه –الاستبدال- لا يملكه إلا القاضي إذا رأى المصلحة في ذلك (٣) .

أما المالكية فإنهم لم يضعوا شروطاً معينة للاستبدال إلا تلك التي نص عليها المتأخرون من كون العقار خرباً ولا غلة له تمكن من إصلاحه ولا متطوع بإصلاحه.

أما من يحقق هذه الشروط في واقع الأمر فإنهم لم يدققوا فيه تدقيق الحنفية، ولكنهم اهتموا بتعيين من يقوم بشؤون الوقف التي تعنى بكل ما يتعلق بتحقيق مصالحه، فقد جعلوا النظر للمحبس كأول جهة مسؤولة ثم الحاكم.


(١) الإسعاف، ص٣٢.
(٢) أبو زهرة، ص١٦٥.
(٣) أبو زهرة، ص١٦٨-١٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>