الخاتمة
في هذا البحث عالجنا مسألة تأثير المصلحة في الوقف فعرفنا الوقف، وأثبتنا مشروعيته باختصار، وتعرفنا على المصلحة وأنواعها معتبرة أو ملغاة، وتعرضنا لثلاثة اتجاهات فقهية بارزة.
أحدها: يلتزم حرفية الوقفية بما يقربها من التعبدية وهو الذي يمثله الشافعية والمالكية في أصل مذهبيهما.
والثاني: يسير مع المصلحة ويتمسك بأصل الثبوت في العين والمصرف، إلا أنه يجيز المعاوضة والمناقلة لضرورة الانتفاع، وهذا أصل مذهب الإمام أحمد ومذهب أبي حنيفة وربيعة بن عبد الرحمن شيخ مالك.
والاتجاه الثالث: يبالغ في اعتبار (المصلحة الراجحة) التي لا تدعو إليها ضرورة فيتصرف في العين (بالمعاوضة) و (الاستبدال) و (الإبدال) ، ويتصرف في المصرف بصرفه في أوجه البر التي قد لا تكون من جنس المصرف، وفي الغلة والوفر بالسلف والاستثمار، وفي هذا الاتجاه على اختلاف في العبارة وتباين في الإشارة يصنف أبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة والأندلسيون من أتباع المذهب المالكي وابن تيمية وتلاميذه، فللمصلحة الراجحة وقع عند هؤلاء.
وهكذا كانت نتيجة البحث ترجيح ما ذهب إليه هؤلاء باعتبار الوقف من معقول المعنى وباعتبار مقصود الواقف الذي يرمي إلى الاستكثار من الأجر عن طريق زيادة النفع.
ولذلك فإن العناوين السبعة التي اعتبرناها مظاهر لتأثير المصلحة كانت أساساً لنظرتنا إلى التعامل مع الأوقاف في ضوء المصلحة:
-فيجوز وقف العين وغيرها للمضاربة والاستثمار.
-تجوز المعارضة في الوقف، أي بيعه وإبداله بما يكون وقفاً من جنسه أو غيره للمصلحة الراجحة.
-يجوز صرف غلة وقف إلى غير مصرفه الأصلي للضرورة أو الحاجة إذا لم يكن المصرف الأصلي في حاجة، كما يجوز التسالف بين الأوقاف.
-يجوز استثمار الغلة (الوفر) في غير جنس الوقف بالمضاربة فيها والمتاجرة لتحصيل مردود أكبر للوقف إذا كان استثماراً أقرب إلى الأمان واستغنى الوقف عنه.
-يجوز تغيير معالم الوقف لإصلاحه.
-يجوز تقديم ذوي الحاجة على غيرهم في حال الوقف.
وقد اعتمدنا في ترجيح التصرف في الوقف على أصل اعتبار المصلحة في غياب النص الجازم، وعلى حديث حسان وعلى حديث أصحاب الغار في التصرف في مال الغير بالأصلح، وعلى ما رواه أشهب في صرف غلة وقف عمر تارة تمراً وتارة تباع بدراهم، وكذلك أمر عمر لسعد بنقل المسجد وجعل السوق مكانه.
ثم أضفنا فصلاً عمن يحقق المصلحة وهو الواقف والناظر والقاضي والإمام وجماعة المسلمين والموقوف عليهم المالكون لأمرهم.
وبذلك نختم هذا البحث الذي نرجو أن يكون إسهاماً في تأصيل إعمال المصلحة في الأوقاف، وتوضيح جوانب من أقوال العلماء كانت غامضة وتقديم بعض الأدلة التي لعلها كانت عن بعض الأذهان غائبة.
ونستغفر الله العظيم مما كتبت أيدينا.
عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه