وأقترح أن يتناول هذا المجمع الشريف بعلمائه الأجلة الأخيار موضوع الوقف، والحُبُس، وكيفية تطوير موارده فإن ما تنتظره الأمة الإسلامية قرارات تعيد الاعتبار والمكانة للوقف باعتباره مؤسسة عظمى ذات مصالح جُلَّى وليست تراثاً بالياً جعلت لنهب الناهبين ولحيل المتحيلين، حتى صار هذا التراث مصدر شقاء لمستحقيه مما جلب إليهم، زيادة على الفقر والاحتياج، من خصومات أوقفتهم أمام المحاكم وأنهكتهم حتى في نطاق ثرواتهم القليلة والخاصة، وصارت مصدر إهمال لجانب من أملاك الأمة، وأنا أعرف أن في تونس مثلاً هناك أوقاف تَفَرَّع مستحقوها حتى أصبحت تسمى بـ (الأراضي الاشتراكية) حيث يملكها عدد كبير من الناس، وفي الواقع لا يملكها أحد وبقيت مهملة ولا يستطيع أحد أن ينفق فيها مالاً لصيانتها ولا لتنميتها، وصارت قطعة مهمة جداً من الجمهورية التونسية معطلة لا يدخلها إلا من أراد أن يتجاسر على قطعة منها فيستغلها ولكن بدون ملكية.
وأرى أن الدراسات التي كتبت في الموضوع وبذلت فيها جهود مشكورة من السادة العلماء، وقد ألحت بالخصوص على الجوانب الفقهية الموسوعية والنظرية التي هي جزء من ثروة الفكر الإسلامي التي لم يعرف لها مثيل سوى في التشريع الإسلامي ونظرياته الفقهية، هذا في حد ذاته أمر مهم للرد على الجهلة الذين يرمون الفقهاء بالإفلاس ويرمونهم بتجاوز العصر، ويرمون الأحباس بأنها من العوائق للاقتصاد الإسلامي، ولكن الذي يترقبه الحبس في ذاته وفي ذات من يعود عليهم نفعه من عامة المسلمين على تفاوتهم في الدرجات وما يترقبه المسلمون من هذا المجمع الكريم أمران:
أولاً: تقرير القرارات القطعية أو ما يقرب منها لمزيد تثبيت مشروعية الأحباس باعتبار ما فيها من نفع اقتصادي واجتماعي.
ثانياً: اقتراح بديل للمؤسسات الحالية القائمة على حدود الأوقاف التي لم تعد تصوراتها وتصرفاتها كفيلة بازدهار الأوقاف وتنميتها، لأن المؤسسات الآن أصبحت تحتاج إلى نمط المصارف أو نمط البنوك للأوقاف، وتكون ذات هيكلية عصرية متطورة كما تطورت البنوك، بنوك التنمية مثلاً، على اختلاف جهاتها من بنوك فلاحية وتجارية وصناعية وعمرانية وغيرها، ولماذا لا تكون هنالك مصارف بنكية فيها من الإدارات المختصة ما يقوم على شأن هذه الأملاك وإدارتها؟ وبذلك نستطيع أن نكفل للأوقاف بقاءها ودورها الاجتماعي والاقتصادي وتنميتها سواء من حيث أصل الأوقاف أو من حيث الريع الذي تدره على المسلمين فتكفيهم وتكفي الطبقات التي نسميها (شعبية) وما دونها، تكفيها الحاجة وتكفيها مد اليد للتسول.