للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيخ الطيب سلامة:

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

أريد أن أنبه إلى قضية هي أصل القضايا في هذا الموضوع وهي مكانة الوقف في العالم الإسلامي، فهو يمثل مؤسسة عظمى قد جاء بها الإسلام ولم يسبق إليها البتة، وليس لها نظير إلى اليوم حتى في العالم الغربي، ولذلك بات من المسلم لدى جمهور العلماء أن هذا الوقف هو من شرعة الإسلام، شرعته السنة النبوية، فقد جاء في بعض الأحاديث الصحيحة مثل حديث الصحيحين أن عمراً –رضي الله تعالى عنه- أصاب أرضاً بخيبر، فقال: يا رسول الله، أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً أنفس عندي منه، فما تأمرني؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها)) فتصدق بها عمر على أن لا تباع ولا توهب ولا تورث، فتصدق به على الفقراء بأن يجعل ريعها للفقراء ولذي القربي وفي الرقاب والضيف وابن السبيل ولا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمول.

هذا الحديث وضع المؤسسة ووضع أصولها ووضع ما اشتملت عليه هذه المؤسسة من فروع وإدارات، فهي أشبه ببنك عظيم من البنوك الكبرى في العالم التي لها مصالح متعددة، وكل كلمة في الحديث أشارت إلى مصلحة من المصالح، وهذه المصالح حين نعددها انطلاقاً من الحديث، من غير الخروج عنه، نجد مصلحة تثبيت أصل المال المحبس وتحريم انتقاص شيء منه، مع إباحة استخدامه وتنمية موارده لينتفع المستحقون بريعه حلالاً طيباً وليأكلوا من فضل الله هنيئاً مريئاً، ونجد أيضاً مصلحة أخرى هي مصلحة الصدقات الجارية التي يستمر بها المحبس بعد موته صاحب مبرة وصاحب عمل لا ينقطع، كما جاء ذلك في حديث أبي هريرة: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)) .

وكم من شعوب إسلامية فقيرة إلى حد المجاعة القاتلة لم تعد الأحباس قادرة على مواساتها كما كانت، لأنهم أضاعوها فأضاعتهم، وأيضاً مصلحة صلة الرحم وإعانة ذوي القربى، ومصلحة عتق الرقاب، وليس العتق مقصوراً على عتق العبيد والإماء، لأن في عصرنا هذا رقاب أسيرة إما للاتجار في أعراضها البشرية وكرامتها الإنسانية، أو لأسباب أخرى تجعلهم أذلة يتحكم فيهم الأقوياء، أيضاً مصلحة إقراء الضيف وإعانة أبناء السبيل، وكم يحتاج هؤلاء إلى عون وإن كانوا في مواطنهم من أصحاب التفضل والجاه واليسار، وأخيراً مصلحة تشغيل عدد مهم من العمال في هذه الأملاك الموقوفة على اختلاف درجاتهم، وإذا أردنا أن نيسر الأوقاف وإدارة الأوقاف فسيكون العاملون في هذا الميدان فيهم الفنيون والمهندسون على اختلاف اختصاصهم والعاملون في درجات مختلفة.

هذه صورة الوقف باختصار، أشار إليها الحديث إشارة عابرة ولكنها توحي بمعان كثيرة، وتتركنا نتساءل هل سارت الأوقاف على هذا المنهج ثم أصابها ما أصابها من ضياع؟ لا، أبداً، بل الأوقاف تولتها جماعات ليست من أهل الدراية وليست من أهل الاختصاص، ولذلك حصل ما حصل مما نعلمه جميعاً وأصبح الأجانب والأباعد والمعادون للإسلام يرمون الأوقاف بأنها جانب من الجوانب التي أخرت الإسلام، والتي أحدثت ما أحدثته المجتمعات الإسلامية وعطلت ثروات البلاد.

<<  <  ج: ص:  >  >>