للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-أما الباحث الرابع فهو بحث حجة الإسلام على التسخيري، وقد صور المعاملة في صورتين:

أ-أن تقوم المؤسسة ببناء مساكن ثم تؤجرها على أن تنتهي الإجارة بتمليك المستأجر للمسكن بمجرد دفع أقساط الإيجار.

ب-أن يعجز باني بيته عن إتمامه فيبيعه للبنك شريطة أن يتم البنك بناءه ثم يؤجره له، وعند تمام خلاص الأقساط التي هي ما أنفقه البنك على إتمام البناء، مضافاً إليها أرباحه، يعود البيت ملكاً للمستأجر، وينتهي إلى جواز المعاملتين، أما الأولى فلا إشكال فيها، وأما الثانية فلا تصح إلا إذا تحقق أنه لا يكون إلزام بالربط بين المعاملتين.

-أما الباحث الخامس فهو فضيلة الدكتور عبد الله إبراهيم، وهو يرى أن الحل هو أن يودع المستأجر قدراً من المال زائداً على ثمن الإيجار، يودعه في حساب الودائع الاستثمارية، لفائدة البائع أصلاً وأرباحاً، هذا في البيع، وأما الهبة فلا تجوز عنده، ويرجح في النهاية جواز الوعد بالبيع لا بالهبة.

تعريف الإجارة:

عرفها ابن عرفة: بأنها بيع منفعة ما أمكن نقله، غير سفينة ولا حيوان لا يعقل، بعوض غير ناشئ عنها، بعضها يتبعض ببعضه، وهو جار على المصطلح المالكي في التفرقة بين كراء الرواحل والسفن وبين إجارة منافع غيرها.

وعرفها الخطيب بقوله: عقد على منفعة مقصودة معلومة قابلة للبذل والإباحة بثمن معلوم.

إن هذه التعريفات ليست حدوداً، وإنما هي رسوم تقرب المعنى المقصود للفقهاء، وذلك بتتبع أركان المعرف، ثم التعبير عن ذلك في أخصر لفظ.

فالإجارة هي أولا عقد من العقود، تتحقق إذا كانت المعاوضة تشمل منافع يملكها صاحبها، ويحل تداولها، فيبيعها لطرف ثان مقابل ما يتفقان عليه من الثمن الذي هو الأجر، وبذلك فالإجارة عقد يجري عليه ما يجري على سائر عقود المعاوضات، وأركانها (المؤجر – المستأجر – المنفعة – الأجرة – الصيغة – رضى الطرفين) .

وهذا العقد هو عقد جائز شرعاً، لازم للطرفين، يقول القاضي عبد الوهاب: ليس لأحد من المتعاقدين فسخه، مع إمكان استيفاء المنافع المعقود عليها خلافاً لأبي حنيفة (١) .

والإجارة نوعان: إجارة شيء معين، والإجارة في الذمة، فالأول كإجارة دار معينة أو سيارة معينة، ولا بد من تعيين المنفعة بما يرفع الغرر والجهالة، والثاني كإجارة على خياطة ثوب وحمل متاع أو إنسان، ولا بد فيه أيضاً من تحديد يرفع الجهالة والغرر وما يمكن أن يفضي إلى الخصام.

والمعروف أن الإجارة عقد ينتهي بحصول المنفعة للمستأجر، كخياطة الثوب وبناء الحائط، وبلوغ الراكب المكان المقصود، أو السكنى بالدار المدة المحددة في العقد، وفي نهايتها تعود العين المؤجرة إلى المالك.

إن هذا التشريع قد طورته المؤسسات الإسلامية واستفادت منه باتخاذه كآلية من آليات النشاط الاقتصادي، ذلك أن الباعثين للمشاريع المؤثرة في تطور الاقتصاد هم في حاجة إلى تمويل يمكنهم من إنجاز مشاريعهم، والاقتراض بدون فائدة يكاد يكون مستحيلاً، لأن المحتاج للسيولة النقدية قد يجد من يقرضه مواساة وطلباً للأجر، وتوثيقاً لروابط الصلة الدينية، لينقذ المحتاج من الضائقة تبعاً لمرض يستدعي العلاج، أو لمتابعة الدراسة العالية في الاختصاصات المكلفة، أو أزمة مالية لمجابهة نفقات العائلة ونحو ذلك، أما أن تجد من يقرضك بدون فائدة لبعث مشروع اقتصادي كبير فيكاد يكون مستحيلاً.

ولا تبنى المشاريع الاقتصادية على القرض الحسن –ولهذا الغرض ولدت في المجتمعات الإسلامية المؤسسات الإسلامية التمويلية التي تحامت الربا، ويتمكن الباعثين الاقتصاديين من تمويل مشاريعهم بطرق حلال يستفيد منها أصحاب هذه المؤسسات، كما يستفيد منها اقتصاد الأمة وخاصة بما يوفره من فرص التشغيل للعمال بالفكر والساعد، وما يتبع ذلك من دوران عجلة التعامل والنشاط، وإنقاذ اقتصاد الأمة من الركود، وما يتبع ذلك من نمو الثروات والعون على اعتماد الأمة الإسلامية على إمكاناتها.


(١) المعونة: ٢/١٠٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>