للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخاتمة

عملت في بحثي هذا على تتبع عقد الإيجار المنتهي بالتمليك، وبيان أحكامه، وفي الورقة المقدمة من الأمانة العامة ثلاثة أسئلة لم أتعرض لها أثناء البحث لأنها حالات خاصة ليست من طبيعة عقد الإيجار المنتهي بالتمليك.

الأول: حكم الدفعة المقدمة في الإيجار المنتهي بالتمليك:

إن تصور الواقع كما جرى هو الذي يعطينا الضوء لضبط الحكم، والسؤال غامض ويحتمل وجوهاً، فهل يعني أن المعدات التي اشتراها المستأجر بتوكيل من المؤجر قد تم في فترة التراوض أن المستأجر يدفع نسبة من ثمن المعدات مقدماً، وأن المؤجر يدفع الباقي، ثم يستأجر كامل المعدات من البنك، على أن أقساط الإيجار قد اتفق على أنها موزعة حسبما دفعه المؤجر، فإذا كان هذا هو المقصود، فإن المستأجر بعقده الصفقة عند شراء المعدات باسم المؤجر، وأن المؤجر هو الضامن، وعقد الضمان باسمه؛ فإن المستأجر يكون قد تنازل عن حقه في التملك للجزء الذي دفع ثمنه، وأن المؤجر هو المالك للجميع، وهذه تتخرج على أنها هبة فعلية نافذة، إذ أن المستأجر هو الذي تولى الصفقة وأسقط اسمه من وثائق التملك، وتظهر آثار ذلك إذا عجز عن السداد، فإن المؤجر هو الذي يفوز بجميع المعدات وليس للمستأجر حق فيها.

وإن كان معنى ذلك أن المستأجر يدفع قسطاً من أقساط الإيجار مقدماً قبل أن ينتفع بالعين المؤجرة؛ فقد ذكر الحطاب في تنبيهه على قول خليل: "إن ملك البقية"الثاني، قال في المدونة: وللكري أن يأخذ كراء كل يوم يمضي إلا أن يكون بينهما شرط فيحملان عليه.. ابن يونس: وإن لم يكن شرط وكانت سنة البلد النقد قضي به (١) .

الثاني: تسجيل العين المؤجرة صورياً باسم المستأجر لتفادي الإجراءات والرسوم:

إن الفرار من الواجب على الشخص أو على المؤسسة بإظهار خلاف الواقع هو (التوليج) وهو كذب لا يحل أبداً، ذلك أن انتساب المؤجر والمستأجر إلى دولة من الدول واستفادتهما من مؤسساتها وأجهزتها في أمنهما وتعلمهما وصحتهما وحماية حياتهما وأرزاقهما، والدفاع عن حوزة الوطن الذي ينتسبان إليه، وغير ذلك من المكاسب التي لولاها لما استطاعا أن ينشطا اقتصادياً ولا أن يعقدا مثل هذا العقد، كل ذلك يفرض على كل واحد منهما أن يكون أميناً في التعامل مع الأنظمة المعمول بها، وأن لا يحاول التهرب من الرسوم أو التحايل على الإجراءات المعمول بها، فإن ضمان حقوقه إنما هو بالسلطة القضائية والتنفيذية، وهي ملجؤه، فكيف يحل له التمتع بالغنم والتهرب من الغرم؟

الثالث: تعديل أقساط الإجارة في حالة فوات التملك بسبب لا يرجع إلى المستأجر:

إن شأن العقود أنها لا تنقض ولا يعاد النظر فيها بعد انبرامها لظروف خاصة بأحد المتعاقدين، ولا أعلم استثناء لذلك إلا في الثمار إذا أصيبت بجائحة وذلك بالشروط المعتبرة شرعاً عند القائلين بوضع الجوائح (٢) .

ولما كان هذا العقد عقداً جديداً، فالذي يظهر كَحَلِّ اعتماداً على التوسع في فهم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: ٢٩] الحل هو أن ينص في عقود الإيجار المنتهي بالتمليك بأن مثل هذه الحالة تحال على لجنة المحكمين كبقية الخلافات التي تطرأ في مراحل تنفيذ العقد.

والله أعلم وأحكم وهو حسبي ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.


(١) مواهب الجليل: ٥/٤٤٠؛ المدونة: ٣/٤٣٥.
(٢) بداية المجتهد: ٢/١٨٤-١٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>