للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني عشر: عدم جواز الغرر والجهالة في الإجارة.

الثالث عشر: آداب إسلامية رائعة في تأجير الدواب تدل على منتهى الرفق بالحيوان، بل تدخل السلطة لأجل عدم وقوع الظلم عليه، وهناك أحكام أخرى لا يسع المجال لذكرها.

الرابع عشر: جواز استئجار الأجير بطعامه وكسوته، ويدل على ذلك حديث عتبة بن المنذر، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ طسم، حتى بلغ قصة موسى عليه السلام، فقال: ((إن موسى أجر نفسه ثمان سنين أو عشر سنين على عفة فرجه، وطعام بطنه)) ، رواه أحمد وابن ماجه (١) .

الخامس عشر: ضرورة الحرص على أداء العمل بإخلاص وإتقان وبعلم، بحيث إذا لم يكن عالماً بمهنته فإنه يكون ضامناً للآثار التي تترتب على عمله، لما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه بسندهم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن)) (٢) .

مشروعية الإجارة:

الإجارة مشروعة، بل مطلوبة في الإسلام كما دلت على ذلك الآيات والأحاديث التي ذكرناها.

وقد أجمعت الأمة على جوازها، ولكن يحكى عن أبي بكر عبد الرحمن بن الأصم أنه لا يجيزها، بناء على أن الإجارة بيع المنافع، وهي معدومة في الحال، والمعدوم لا يجوز بيعه، وأنها غرر (٣) ، وكلامه هذا متعارض مع النصوص السابقة ومع الإجماع فلا يعتد به، قال ابن قدامة: "وهذا غلط لا يمنع انعقاد الإجماع الذي سبق في الأعصار، وسار في الأمصار، والعبرة أيضاً دالة عليها، فإن الحاجة إلى المنافع كالحاجة إلى الأعيان، فلما جاز العقد على الأعيان وجب أن تجوز الإجارة على المنافع" (٤) ، وقال الكاساني: "إن الأمة أجمعت على ذلك قبل وجود الأصم حيث يعقدون عقد الإجارة من زمن الصحابة إلى يومنا هذا من غير نكير، فلا يعبأ بخلافه، إذ هو خلاف الإجماع" (٥) .

وذكر ابن رشد أن ابن علية مع الأصم في هذا الرأي بناء على شبهة واهية، وهي: أن المعاوضات إنما يستحق فيها تسليم الثمن بتسليم العين كالحال في الأعيان المحسوسة، والمنافع في الإجارات في وقت العقد معدومة فكان ذلك غرراً، ومن بيع ما لم يخلق.

ولكن الرد عليها جلي وهو أن طبيعة عقد الإجارة تختلف عن البيع لأنها قائمة على تحقيق المنفعة التي تستوفى في المستقبل، كما هو الحال في السلم، حيث هو عقد قائم على تسليم شيء في المستقبل (٦) .


(١) رواه ابن ماجه في سننه كتاب الرهن: ٢/٨١٧؛ وجاء في الزوائد: إسناده ضعيف، ورواه أحمد؛ ويراجع نيل الأوطار، ط. الطباعة الفنية بالقاهرة ١٣٩٨هـ: ٧/٤٢.
(٢) سنن أبي داود مع العون، كتاب الديات: ١٢/٣٢٩؛ وابن ماجه، كتاب الطب: ٢/١١٤٨؛ وأخرجه الحاكم وقال: صحيح الإسناد، وأقره الذهبي.
(٣) المغني لابن قدامة: ٥/٤٣٣؛ وبدائع الصنائع: ٥/٢٥٥٤.
(٤) المغني لابن قدامة: ٥/٤٣٣؛ ويراجع الروضة للنووي: ٥/١٧٣.
(٥) بدائع الصنائع: ٥/٢٥٥٦.
(٦) بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ط. دار الجيل ببيروت: ٢/٣٩٥-٣٦٠؛ ويراجع المحلى لابن حزم: ٩/٣، حيث أسند الخلاف إلى إبراهيم بن علية فقط وقال: "وهذا باطل من قوله".

<<  <  ج: ص:  >  >>