للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما بالنسبة للإجارة المالية فلنا معها وقفات طوال نغطي فيها بقدر الإمكان أهم محاورها، والتي منها قضية المفاهيم والمصطلحات والصور المتعددة التي تتبدى فيها، والتي تضفي على الموضوع قدراً كبيراً من الغموض، بل واللبس، ثم تبريرات ظهور هذه الصور المتعددة، والدوافع وراءها، وهل كان وراء ذلك عجز الإجارة التشغيلية عن تلبية متطلبات جديدة؟ أم عجز صيغ أخرى جعلت الفكر المالي يلجأ إلى الإجارة مستخدماً لها، لكن مع خروج بها عن مألوفها؟ ثم ما هي الفوائد التي تحققها هذه الصيغة أو هذه الأداة لكل من المؤجر والمستأجر والاقتصاد القومي عموماً؟

وما هي الثغرات أو المشكلات التي تثيرها هذه الأداة من الناحية العملية؟ ثم ما هو موقعها على خريطة التمويل لمصارف الإسلامية؟ وأخيراً موقف الفقه الإسلامي منها.

١ - الإجارة التشغيلية – مفهومها وأهمية التمويل بها:

أ-مفهومها: لو نظرنا لها من الناحية الشرعية والقانونية فهي عقد بين طرفين على تمليك منفعة (١) . يستوي في ذلك أن تكون المنفعة منفعة أصل مالي مثل الآلة والعقار ... الخ، وأن تكون منفعة إنسان ما.

والمهم في الموضوع أن تكون المنفعة مباحة شرعاً، وأن تكون قابلة للانفصال عن الأصل دون هلاكه مباشرة، وأن تكون معروفة محددة بشكل يمنع الجهالة المفضية إلى النزاع، إلى آخر ما هنالك من اشتراطات شرعية تستهدف جميعها قيام هذا العقد بإنتاج آثاره وتحقيق مقصوده على الوجه الأمثل.

ولو نظرنا لها من الناحية الأقتصادية فهي نشاط اقتصادي تبادلي قد يدخل في نطاق التجارة إذ هي قرينة البيع أو أحد فروعه.

ولو نظرنا لها من الناحية المالية فهي نشاط تمويلي، وإن كان البعض يتحفظ على ذلك ناظراً لها على أنها نشاط تجاري (٢) ، لكنها عند التحقيق لا تخلو من عناصر تمويلية بارزة، إذا ما فهمنا التمويل بمعناه الواسع ويزداد بروز الجانب التمويلي فيها بتأجيل الأجرة أو الأجر، وكذلك بإيجاد صكوك لها.


(١) لم نقصد تقديم تعريف علمي دقيق لها، ومن أجل ذلك يمكن الرجوع إلى المدونات الفقهية في المذاهب المختلفة.
(٢) على أساس أنها في معظم حالاتها لا تتطلب وسيطاً مالياً كما أنها قد لا تؤدي إلى شغل ذمة المستأجر بقيمة مالية آجلة لمؤجر، لكن ذلك كله يمكن التغاضي عنه إذا ما فهمنا التمويل بمضمونه الواسع.

<<  <  ج: ص:  >  >>