للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب-أهمية التمويل بالإجارة: يوفر التمويل بالإجارة للحياة الاقتصادية خدمات عديدة لا ينهض التمويل بغيرها بتوفيرها لما هنالك من تمايز في الخصائص والطبائع بين كل أداة تمويلية وأخرى، فليس كل فرد في حاجة إلى منفعة ما قادر على تملك الأصل المنتج لهذه المنفعة، ومن ثم يقف عاجزاً عن إشباع هذه الحاجة، مما قد يرتب المزيد من المضار الاقتصادية. فهل كل مزارع لديه المقدرة على امتلاك جرار زراعي أو طلمبة مياه أو محراث؟ وهل كل صانع لديه المقدرة على امتلاك محل لصناعته؟ وكذلك الحال في التاجر، وفي الطبيب وغيرها، بل هل كل فرد قادر على أن يؤمن بنفسه ولنفسه كل الخدمات المحتاج إليها من علاج وغيره مما يحتاجه من حلاجات غير محدودة في أنواعها ونوعياتها؟ من هنا تظهر أهمية الإجارة على مستوى المستأجر، وعلى مستوى الاقتصاد القومي، ولا تقل أهميتها على مستوى المؤجر عن هذه الأهمية. فليس كل صاحب مال بقادر على استغلال ماله وتوظيفه بنفسه أو براغب في ذلك، وهو في الوقت ذاته غير مستغني عنه. فلا هو بقادر أو راغب في تشغيله، ولا هو براغب في نفس الوقت في التخلص منه بالبيع، وبذلك يبقى المال معطلاً من جهة، ويبقى صاحبه محروماً من عائده من جهة أخرى، ونفس الكلام ينطبق على صاحب الخبرة والصنعة والحرفة. وهنا تجيء الإجارة لتواجه هذه الوضعية (١) ، ومما هو جدير بالإشارة أن فقهاءنا القدامى قد أشاروا إلى ذلك ونبهوا إليه في تراثنا الفقهي العريق، يقول ابن قدامة:

"إن الحاجة إلى المنافع كالحاجة إلى الأعيان فلما جاز العقد على الأعيان وجب أن تجوز الإجارة على المنافع، ولا يخفى ما بالناس من الحاجة إلى ذلك فإنه ليس لكل أحد دار يملكها، ولا يقدر كل مسافر على بعير أو دابة يملكها، ولا يلزم أصحاب الأملاك إسكانهم وحملهم تطوعاً وكذلك أصحاب الصنائع يعملون بأجر، ولا يمكن كل أحد عمل ذلك، ولا يجد متطوعاً به، فلابد من الإجارة لذلك، بل ذلك مما جعله الله طريقاً للرزق حتى إن أكثر المكاسب بالصنائع" (٢) ويقول الكاساني: "إن الله تعالى إنما شرع العقود لحوائج العباد، وحاجتهم إلى الإجارة ماسة، لأن كل واحد لا يكون له دار مملوكة يسكنها أو أرض مملوكة يزرعها أو دابة مملوكة يركبها، وقد لا يمكنه تملكها بالشراء لعدم الثمن ولا بالهبة والإعارة، لأن نفس كل واحد لا تسمح بذلك فيحتاج إلى الإجارة فجوزت لحاجة الناس كالسلم ونحوه" (٣) .


(١) العز بن عبد السلام، قواعد الأحكام، مرجع سابق: ٢/٥٩.
(٢) ابن قدامة، مرجع سابق: ٥/٤٣٣.
(٣) الكاساني، بدائع الصنائع، دار الكتاب العربي، بيروت، ١٨٦٤: ٤/١٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>