للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥-مسألة تعليق البيع، في صورة ما إذا كان تملك المستأجر يتم بعد سداد القسط الأخير دون دفع أي ثمن، فمعنى ذلك أن الأقساط الإيجارية هي في الحقيقة أقساط ثمن الأصل. وقد كيف القانون الوضعي هذه الصورة بأنها بيع بالتقسيط دون الالتفات إلى الصيغة المدونة. لكن قبول ذلك شرعاً تحول دونه صعاب عديدة، فالأقساط التي دفعت: دفعت على أنها أقساط إيجارية بحكم صيغة العقد، وبالتالي فهي أجرة، فكيف تحول إلى ثمن للأصل بعقد لاحق؟ إن ذلك لا يتماشى والأصول والقواعد الحاكمة والضابطة للعقود في الفقه الإسلامي. والمخرج من ذلك هو التحول من عقد الإجارة إلى عقد بيع مقسط، مع اشتراط عدم نقل الملكية إلا بعد السداد لجميع الأقساط، وفي تلك الحالة لو توقف المشتري عن سداد بعض الأقساط فإن العقد يفسخ يأخذ البائع الأصل. وما سبق أن دفعه المستأجر يسوى من خلال القيمة الإيجارية الحقيقية وما قد يكون هنالك من تعويض نتيجة الإخلال بالشروط (١) . وتعليق عقود المعاوضات على بعض الشروط –كما هو واضح في الإجارة المالية حيث إن عقد البيع معلق على الوفاء بجميع الأقساط- قال بعض الفقهاء بجوازه، وقال بعضهم بمنعه. وبالتالي فيمكن الأخذ برأي من قال بالجواز (٢) .

٦-مسألة الثمن الرمزي: سبق أن رأينا أن بعض صور الإجارة المالية ينص في عقدها على تملك المستأجر للأصل المالي بثمن رمزي. فهل يصح البيع بثمن رمزي؟ من حيث الأصل: لا مانع على الطرفين، البائع والمشتري في تحديد ما يريانه من ثمن للسلعة. لكن المسألة هنا ليست هكذا بوضوح، فهي مرتبطة بإجارة وبأقساط سبق دفعها، وهي في الغالب أكبر بكثير من الأقساط الإيجارية الحقيقية.

ومعنى ذلك أن الثمن الرمزي المحدد ليس هو الثمن في الحقيقة بل هو جزء تافه من الثمن وبقيته ممثلة في الأقساط الإيجارية. وإذن فنحن كما لو كنا أمام انتقال الملك بمجرد سداد الأقساط. وقد رأينا سلفاً أن الصواب في ذلك هو الابتعاد عن عقد الإجارة إلى عقد بيع منجم مشروط بعدم التصرف إلا بعد السداد لجميع الأقساط. وبعض المصارف واجهت ذلك عن طريق (الهبة) حيث ينص في عقد الإجارة أنه بسداد جميع الأقساط يهب المصرف الأصل الإنتاجي للشريك، ومن المعروف أن اجتماع عقد الإجارة مع عقد (الهبة) لا غبار عليه شرعاً عند الكثير من الفقهاء. والمشكلة هنا أن عقد الهبة غير لازم في الكثير من القوانين الوضعية، ومعنى ذلك تعرض المصرف لمخاطر قد تكون جسيمة فيما لو أخل المستأجر بالاتفاق، ومع ذلك فهي من الناحية الشرعية محل تحفظ، حيث إن حقيقتها ليست بهبة خالصة، وإنما هي عملية معاوضة (٣) . يضاف إلى ذلك أن حالة السلعة محل البيع عند إبرام عقد الإجارة –والذي هو في حقيقته عقد بيع - لا تعرف لدى المتعاقدين عند انتهاء مدة الإجارة، ومن شروط صحة البيع المعرفة الجيدة بالسلعة محل التعاقد.


(١) د. حسن الشاذلي، مرجع سابق، ص ٢٦٤٠ وما بعدها.
(٢) د. حسن الشاذلي، مرجع سابق، ص ٢٦٤٤ وما بعدها، الموسوعة الفقهية: ١/٢٥٦، مرجع سابق؛ عبدا لله بن بيه، مرجع سابق، ص ٢٦٦٦ وما بعدها، د. أحمد ريان، فقه البيوع المنهي عنها، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، ١٩٩٥، ص ٦٥.
(٣) د. محمد القرى، مرجع سابق، ص ٥٥١، محمد المختار السلامي، الدكتور صديق الضرير، مناقشة البحوث المقدمة في موضوع التأجير المنتهي بالتمليك، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، الجزء الرابع، ص ٢٧٣٠ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>