للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطيب سلامة:

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

شكراً سيادة الرئيس، وشكري كذلك للسادة الباحثين على ما بذلوه من جهد في هذا الموضوع الشائك، وشكراً لفضيلة العلامة الأخ محمد المختار السلامي على ما قدمه من تلخيص وافٍ لجميع الأبحاث، ويتميز هذا التلخيص بإعطاء كل ذي حق حقه، وعلى بحثه كذلك الذي استوفى فيه جوانب هذا الموضوع.

ما أريد أن أقوله باختصار هو أن مؤسستنا الإسلامية تحاشياً من الوقوع فيما تقع فيه المؤسسات المالية التقليدية من السلف الذي جر نفعاً وهو ربا بدون شك، أرادت أن يكون لها منهجاً إسلامياً يبعدها عن الوقوع في الربا، فالمقصد الذي يدفعنا للبحث في هذا الموضوع هو كيف نخرج مؤسساتنا الإسلامية من الوقوع في الربا وهي عبارة عن رؤوس أموال تريد أن تستخدم أموالها في التنمية ويريد العلماء أن يستفيدوا من هذه الأموال؟.

فهناك حينئذٍ طرفان: رأس مال وعامل. وعندنا في الفقه الإسلامي العقد الذي يستوعب هذه الغاية هو القراض وليس القرض. والفرق كبير بين القرض والقراض، ولكل من العقدين محله، فالقرض هو عمل بر، ولذلك جاءت حرمة الربا لئلا يكون البر وسيلة إلى امتلاك أموال الناس وابتزازها. كان الربا حراماً، لأن في الإسلام هناك أعمالاً يقوم بها الإنسان مجانية، ولكنها في الواقع ليست مجانية وإنما هي قربى لله سبحانه وتعالى، وهذا مغاير للقراض الذي يقدم فيه صاحب رأس المال ماله للعامل ليعمل ثم ليتقاسم الطرفان الربح. فلماذا نترك القراض ونذهب إلى هذا الإيجار والبيع وهذه الصور التسعة ولم أجد صورة إلا صورة وحيدة سأذكرها تخلو من موانع شرعية؟ يقول قائل ربما القراض فيه أيضاً بعض الشروط التي تعسر المسألة على أصحاب رؤوس الأموال وعلى العملاء. الواقع أن المعاملات هي معقولة المعنى ليست كالعبادات.

الأحكام في العبادات نقول هي تعبدية حيث أمرنا أن نصلي الصلاة أربع ركعات فلا نبحث فيها لماذا أربعة؟ أما في المعاملات فليس عمل من الأعمال إلا وهو معلل إما لدفع مضرة أو لجلب مصلحة إذا كان جائزاً.

الصور التسعة باستثناء واحدة فيها محظورات. ثم الموضوع كله إذا أخذناه بعنوانه الإيجار المنتهي بالتمليك هذا ليس مقصوداً أصلاً لا للمؤسسة ولا للعميل. المؤسسة تعطي مالاً تستثمره والعميل يأخذ مالاً يستعمله ويربح ويعطي قسطاً من هذا الربح يتفق عليه مع المؤسسة. فلماذا ندخل في هذه التركيبات وهذه التعقيدات؟ ولماذا نترك القراض ونذهب إلى كل هذه التعقيدات؟.

ثم إذا كان لابد من تحاشي القراض لأنه لا يكفل للمؤسسات الإسلامية وللبنوك كل ما ترغب فيه من ضمانات ومن جعل الملك تحت يدها ومن عدم اعتبار مصلحة العميل إذا كنا نمشي في هذا الطريق فلنأخذ العصا من الوسط ولنأخذ صور البيع المقسط وليس فيه تعقيداً، ولنترك الإيجار ونترك كل شيء، حينئذٍ يكون العقد مبنياً على بيع، وآنذاك يخرج المصرف المالي عن حدوده ويصبح تاجراً يشتري ويبيع، وهذا غير موجود في الواقع لأن المصارف الموجودة ولو سميت بأسماء مهن فيقال المصرف التجاري أو المصرف الفلاحي هي في الواقع لا تمارس لا تجارة ولا فلاحة ولا شيء من هذا وإنما تتعامل مع التجار والفلاحين والصناع، أما دور المصرف فهو أنه يدفع الأموال ويقبض ماله (رأس المال) مع نصيب من الأرباح.

<<  <  ج: ص:  >  >>