للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا ظهرت حقيقة كل واحد من السبب والشرط والمانع، تبين أن الشروط اللغوية أسباب، خلاف غيرها من الشروط العقلية كالحياة مع العلم، أو الشرعية كالطهارة مع الصلاة، أو العادية كالسلم مع الصعود للسطح، فإن هذه الشروط يلزم من عدمها العدم في المشروط، ولا يلزم من وجودها وجود، ولا عدم والمثال السابق في الزكاة صالح لفهمها، وناقش محمد بن حزم الظاهري بعض تعريفات الشرط نقاشًا نقتبس منه ما يلي:

لقد عزا للغزالي القول بأنه ما لم يوجد المشروط دونه، ولا يلزم أن يوجد عند وجوده، وقال بفساد هذا الرأي قائلًا بأن فيه تعريف الشرط بالمشروط، والمشروط مشتق من الشرط، وأخفى منه، وتعريف الشيء بما هو أخفى منه، يزيده غموضًا.

ثم قال: إنه يلزم عليه جزء السبب، إذا اتحدا فإنه لا يوجد الحكم دونه، ولا يلزم من وجود الحكم عند وجوده، وليس بشرط، ثم ناقش تعريفًا آخر قائلًا بأن الشرط هو الذي يتوقف عليه تأثير المؤثر في تأثيره لا في ذاته، وأيضًا أفسد هذا التعريف، معترضًا بأن الحياة القديمة شرط في وجود علم الباري وكونه عالمًا ولا تأثير ولا مؤثر.

ويمكن أن توجه عدة ملاحظات لهذا المثل أهمها أن علم الباري لا يتوقف على شرط فعلمه يجب الإيمان به غير موقوف على شيء، وأيضًا لأن التناسب بين علم الباري وعلاقة الشرط بالالتزام متباينان جدًا، فالشرط الذي يتكلم عنه ابن حزم هنا، هو ذلك الذي رتبه البشر على تعامله وبإمكانه إلغاؤه أو تعديله، وأيضًا يمكن أن تعتريه الاختلالات الكثيرة، ومداره الاحتمالات الظنية في مختلف الأحكام التي توقفت عليه، من حيث التحقيق أو عدمه، وهذا غير جائز أن توصف به الذات العلية، ثم انحاز ابن حزم بعد هذا كله إلى قريب من تعريف الشاطبي السابق وذلك بقوله: والحق في ذلك أن الشرط هو ما يلزم من نفيه نفي أمر ما، على وجه لا يكون سببًا لوجوده، ولا داخلًا في السبب، وهذا يعني شرط إبرام العقد وما يترتب عليه من إجراءات وأحكام، ويخرج بذلك شرط السبب لأن الشرط يلزم من انتفائه السبب، وانتفاء السبب ينتج عنه انتفاء الالتزام لأن السبب داخل في العقد ويعتبر جزءًا منه بينما الشرط يعتبر خارجًا عنه أي خارجًا عن الالتزام وليس جزءًا منه، وقسمه إلى ثلاثة أقسام هي:

١) شرط عقلي كالحياة للعلم والإرادة.

٢) شرط شرعي كالطهارة للصلاة والإحصان للرجم.

٣) شرط لغوي وصيغه كثير منها (إن) الخفيفة، وإذا، ومن، ومهما، وحيثما، وإذ ما، وأصل هذه الصيغ (إن) الشرطية لأنها حرف وما عداها من أدوات الشرط أسماء والأصل في أدوات المعاني للأسماء: الحروف، وفي جميع الصور إما أن يتحد الشرط والمشروط أو العكس، أو يتعددان فاتحاد الشرط والمشروط مثاله: أكرم بني النبي صلى الله عليه وسلم إن وجدتهم، هذا الكلام يعني التخصيص بالشرط، وفي موسوعة فقه عبد الله بن عمر تأليف الدكتور محمد قلعة جي عزي لابن عمر تعريفًا للشرط هو: (تعليق وجود شيء على شيء آخر) ، وقسمه أيضًا إلى الأنواع الثلاثة وهي:

١) شروط اشترطها الشرع، فليس لأحد التسامح فيها، ويجب تحقيقها حسب وصف الشارع لها، كالصفات التي اشترطها في الوارث حتى يتحقق الإرث.

٢) الشروط التي يشترطها العباد بعضهم على بعض وهي تهم جميع مجالات التعامل، وهذه معتبرة بحسب الصيغة والوضع الذي تم الاتفاق عليه، إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا، ولذلك أعتق ابن عمر غلامًا واشترط عليه أن له عمله ثلاث سنين، ولما انتهى جزء من السنة الأولى تنازل عن بقية شرطه وأعتقه، وهذا أخذ منه الفقهاء مبدأ وقف تحرير الرقبة على شرط ومبدأ التنازل عن الشرط بصفة عامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>