للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهب القرافي في الذخيرة إلى التسوية بين بعض أنواع الشرط وبين السبب، وذلك عندما قال: " النظر الأول في الأسباب، فأردف قائلًا: السبب الأول الشرط وهو الأصل لأنه صريح، وما عداه ملحق به، تنزيلا للسان الحال منزلة لسان المقال، ثم قال: " مهما شرط وصفًا يتعلق بفواته نقصان مالية ثبت الخيار بفواته، وإن شرط ما لا غرض فيه ولا مالية فيه ولا يثبت الخيار لعدم الفائدة، فيلغى الشرط ويخرج من الخلاف في التزام الوفاء بشرط ".

ووضع ابن السبكي الطريقة التي يترتب بها الجزاء عند تخلف الشرط، من خلال تقسيمه للشرط إلى نوعين:

١) شرط يفرضه أحد أطراف المعاملة فيجعل تحقيقه لازمًا لتحقيق أمر آخر ربط به عدمًا بحيث إذا لم يتحقق الشرط، لم يتحقق ذلك الأمر، ومن ثم يتعطل الالتزام المعلق عليه، ومثل لذلك: بتعليق الكفالة على أمر جائز شرعًا، كأن يقول للدائن: إن سافر مدينك فلان بتاريخ كذا فإن كفالتي تصبح لاغية، فقال: بأن هذا الجزاء جائز، وهذا النوع أطلق عليه بعض الفقهاء الشرط الشرعي.

٢) شرط مصدره إرادة شخص واحد ويسمى في اصطلاح فقهاء الشريعة الإسلامية جعلًا، بينما يطلق عليه علماء القانون الإرادة المنفردة، وعن تتبع أحكام الجزاء المضروب على الواقعة عند تخلف شرطها أعطى ابن السبكي في كتابه (الإبهاج في شرح المنهاج) المثل بقول الله عزل وجل: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٦] ، فإن المشروط ينتفي بانتفائه قبل تسميته ولأن الشرط دل عليه، ثم تكلم عن مفهوم الشرط الذي هو أقوى من مفهوم الصفة لأن سياق النص في الآية الكريمة: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور: ٣٣] ، لا ينبغي أن يفهم منه العدول عن تحريم الفعل إن لم يردن تحصنًا، بل المقصود هو بقاء الحرمة مفهومًا من فحوى الخطاب والنص على التشديد.

وتغليظ الجرم لمن تتبع سبل إكراههن على ذلك وعلى من لا يقول بمفهوم الصفة كابن سريج، بالغ إمام الحرمين الجويني في الرد على أولئك، وبين عدم صحة آرائهم.

نستنتج من هذه الأقوال الأهمية التي أعطاها علماء الأصول للشرط الجزائي، إذ تناولوا مختلف صوره بالتحليل والدرس واستخرجوا الأحكام الملائمة لجميع صوره، وعرفوا كل شرط بحسب موقعه في صياغ عبارات حكمه ويعزز هذا ما أشار إليه ابن السبكي بما يدرك منه الخلاف في مفهوم الشرط ليستخدم بحسب دور تلك الدلالة، فإن دلت على العدم اعتبر وقف عدم سريان الالتزام جاريًّا عند تحقق الشرط.

<<  <  ج: ص:  >  >>