ثم عارضتهم جماعة أخرى حسب تحليلات ابن السبكي محتجة بثلاثة حجج نلخصها فيما يلي:
١) تسمية حرف الشرط من التسميات المجازية، كتسمية الحركات المخصوصة بالرفع والجر والنصب.
٢) لا يسلم أنه يلزم من انتفاء الشرط انتفاء المشروط على الإطلاق، وإنما يلزم ذلك إذا لم يكن للشرط بدل يقوم مقامه، أما إذا كان بدل فلا يلزم ذلك كالوضوء، فإنه شرط في الصلاة ولا يلزم من انتفائه انتفاؤها لجواز أن تؤدي بالتيمم (١) .
٣) لو كان مفهوم الشرط حجة لكان قوله تعالى:{وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} دالًا على أنهن إذا لم يردن التحصن يجوز لهن البغاء، ولا يمكن أن يقبل بذلك أي مسلم، وفي سرد أحكم الشرط بصفة عامة وما يترتب عليها من جزاء قال الكاساني: وأما شرائط الصحة فأنواع بعضها يعم المبيعات كلها، وبعضها يخص البعض، أما الشرائط العامة فمنها:
١) شرائط الانعقاد، فكل شرط تعلق بالانعقاد والنفاذ فهو من شرائط الصحة، مع العلم أنه ليس لزامًا أن يكون كل شرط صحة شرط نفاذ، لأن البيع الفاسد عند الحنفية ينعقد وينفذ عند اتصال القبض به، وإن لم يكن صحيحًا.
٢) أن يكون البيع معلومًا، وثمنه معلومًا علمًا يمنع المنازعة، فإن كان أحدهما مجهولًا جهالة مفضية إلى المنازعة فسد البيع، وإن كان مجهولًا جهالة لا تفضي إلى المنازعة لا يفسد، لأن الجهالة إذا كانت مفضية إلى المنازعة نتج عن ذلك عند التسليم، وعدم التسليم يفسد البيع، ومعنى هذا أنه إذا اشترى أحد أصنافًا معينة من جنس واحد دون تعيين أي منها عند العقد ففيه خلاف عند الحنفية فمنهم من أفسده، فإذا اشترى مثلًا أحدى الشياه من الغنم ولم يعين أفسد للتفاوت بين شاة وأخرى، لأن الرضا شرط البيع، والرضا لا يتعلق إلا بمعلوم، وحصر الكلام في هذه الحالة في موضعين: أحدهما أن العلم بالمبيع والثمن علمًا مانعًا من المنازعة شرط صحة البيع، والثاني في بيان ما يحصل به العلم بيعًا، فإن كان المعقود عليه مجهولًا فهذا ممنوع إلا أن يكون في شرط خيار، فيقول: خذ أيهما شئت (يعني الشياه) ثم تساءل: وهل يشترط بيان المدة في هذا الخيار؟ فمحمد لم ينص على مدة منحه خيار ثلاثة أيام، وقال بعضهم: لا يجوز هذا البيع إلا بذكر مدة خيار الشرط، وهو ثلاثة أيام وما دونها عند أبي حنيفة، وعند الصاحبين الثلاثة وما زاد عليها بعد أن يكون معلومًا، وهو قول الكرخي، والطحاوي، وقال بعضهم يصح من غير ذكر المدة.
(١) الإبهاج في شرح المنهاج لعبد الله الكافي السبكي، ص ٣٨٠.