فيما سبق إشارة إلى الفرق بين الشرط والسبب والمانع:
وقد فصل الشاطبي حيث قال: الأفعال الواقعة في الوجود المقتضية لأمور تشرع لأجلها، أو توضع فتقتضيها على الجملة ضربان: أحدهما خارج عن مقدور المكلف، والآخر ما يصح دخوله تحت مقدوره.
فالأول: قد يكون سببا، ويكون شرطًا، ويكون مانعًا، فالسبب مثل كون الاضطرار سببًا في إباحة الميتة، وخوف العنت سببًا في إباحة نكاح الإماء، والسلس سببًا في إسقاط وجوب الوضوء لكل صلاة مع وجود الخارج، وزوال الشمس أو غروبها أو طلوع الفجر سببًا في إيجاب تلك الصلوات – وما أشبه ذلك. والشرط ككون الحول شرطًا في إيجاب الزكاة، والبلوغ شرطًا في التكليف مطلقًا، والقدرة على التسليم شرطًا في صحة البيع، والرشد شرطًا في دفع مال اليتيم إليه، وإرسال الرسل شرطًا في الثواب والعقاب، وما كان نحو ذلك، والمانع ككون الحيض مانعًا من الوطء والطلاق والطواف بالبيت ووجوب الصلوات وأداء الصيام، والجنون مانعًا من القيام بالعبادات وإطلاق التصرفات، وما أشبه ذلك.
وأما الضرب الثاني فله نظران،: نظر من حيث هو مما يدخل تحت خطاب التكليف مأمورًا به أو منهيًّا عنه، أو مأذونًا فيه، من جهة اقتضائه للمصالح أو المفاسد جلبًا أو دفعًا، كالبيع والشراء للانتفاع، والنكاح للنسل، والانقياد للطاعة لحصول الفوز، وما أشبه ذلك، وهو بين. ونظر من جهة ما يدخل تحت خطاب الوضع إما سببًا أو شرطًا أو مانعًا، أما السبب فمثل كون النكاح سببًا في حصول التوارث بين الزوجين وتحريم المصاهرة، وحلية الاستمتاع، والذكاة سببًا لحلية الانتفاع بالأكل، والسفر سببًا في إباحة القصر والفطر، والقتل والجرح سببًا للقصاص، والزنى وشرب الخمر والسرقة والقذف أسبابًا لحصول تلك العقوبات، وما أشبه ذلك، فإن هذه الأمور وضعت أسبابًا لشرع تلك المسببات.
وأما الشرط فمثل كون النكاح شرطًا في وقوع الطلاق أو في حل مراجعة المطلقة ثلاثًا، والإحصان شرطًا في رجم الزاني، والطهارة شرطًا في صحة الصلاة، والنية شرطًا في صحة العبادات، فإن هذه الأمور وما أشبهها ليست بأسباب ولكنها شروط معتبرة في صحة تلك المقتضيات.
وأما المانع فككون الأخت مانعًا من نكاح الأخرى، ونكاح المرأة مانعًا من نكاح عمتها وخالتها، والإيمان مانعًا من القصاص للكافر، والكفر مانعًا من قبول الطاعات، وما أشبه ذلك.
وقد يجتمع في الأمر الواحد أن يكون سببًا وشرطًا ومانعًا؛ كالإيمان هو سبب في الثواب، وشرط في وجوب الطاعات أو في صحتها، ومانع من القصاص منه للكافر، ومثله كثير، غير أن هذه الأمور الثلاثة لا تجتمع للشيء الواحد، فإذا وقع سببًا لحكم شرعي فلا يكون شرطًا فيه نفسه ولا مانعًا له لما في ذلك من التدافع، وإنما يكون سببًا لحكم وشرطًا لآخر ومانعًا لآخر. ولا يصح اجتماعها على الحكم الواحد، ولا اجتماع اثنين منها من جهة واحدة؛ كما لا يصح ذلك في أحكام خطاب التكليف (١) .