للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والكاساني تحدث عن الشروط الفاسدة وقال:

هي أنواع، منها: شرط في وجوده غرر، وذكر عددًا من المسائل، ثم قال: وإن شئت أفردت لجنس هذه المسائل شرطًا على حده، وخرجتها إليه فقلت: ومنها أن لا يكون المشروط محظورًا فافهم.

ثم قال: (ومنها شرط) لا يقتضيه العقد وفيه منفعة للبائع أو المشتري أو للمبيع إن كان من بني آدم كالرقيق، وليس بملائم للعقد، ولا مما جرى به التعامل بين الناس، نحو ما إذا باع دارًا على أن يسكنها البائع شهرًا ثم يسلمها إليه، أو أرضًا على أن يزرعها سنة، أو دابة على أن يركبها شهرًا، أو ثوبًا على أن يلبسه أسبوعًا، أو على أن يقرضه المشتري قرضًا، أو على أن يهب له هبة، أو يزوج ابنته منه، أو يبيع منه كذا، ونحو ذلك. أو اشترى ثوبًا على أن يخيطه البائع قميصًا، أو حنطة على أن يطحنها، أو ثمرة على أن يجذها، أو ربطة قائمة على الأرض على أن يجذها، أو شيئًا له حمل ومؤنة على أن يحمله البائع إلى منزله، ونحو ذلك، فالبيع في هذا كله فاسد، لأن زيادة منفعة مشروطة في البيع تكون ربا لأنها زيادة لا يقابلها عوض في عقد البيع وهو تفسير الربا. والبيع الذي فيه الربا فاسد، أو فيه شبهة الربا وإنها مفسدة للبيع كحقيقة الربا على ما نقرره إن شاء الله تعالى.

وكذا لو باع جارية على أن يدبرها المشتري أو على أن يتسولدها فالبيع فاسد؛ لأنه شرط فيه منفعة وأنه مفسد. وكذا لو باعها بشرط أن يعتقها المشتري، فالبيع فاسد في ظاهر الرواية عن أصحابنا، وروى الحسن عن أبي حنيفة – رضي الله عنهما – أنه جائز.

وبين ما يؤيد كلا من الرأيين في شرط الإعتاق، ثم قال:

(وأما) فيما سوى الرقيق إذا باع ثوبًا على أن لا يبيعه المشتري، أو لا يهبه، أو دابة على أن لا يبيعها، أو يهبها، أو طعامًا على أن لا يأكله ولا يبيعه، ذكر في المزارعة ما يدل على جواز البيع فإنه قال: لو شرط أحد المزارعين في المزارعة على أن لا يبيع الآخر نصيبه ولا يهبه فالمزارعة جائزة والشرط باطل. وهكذا روى الحسن في المجرد عن أبي حنيفة رحمه الله. وفي الإملاء عن أبي يوسف: البيع بهذا الشرط فاسد (ووجهه) أنه شرط لا يقتضيه العقد ولا يلائمه ولا جرى به التعارف بين الناس فيكون مفسداً كما في سائر الشرائط المفسدة، والصحيح ما ذكر في المزارعة، لأن هذا شرط لا منفعة لأحد، فلا يوجب الفساد، وهذا لأن فساد البيع في مثل هذه الشروط لتضمنها الربا وذلك بزيادة منفعة مشروطة في العقد لا يقابلها عوض ولم يوجد في هذا لأنه لامنفعة فيه لأحد، إلا أنه شرط فاسد في نفسه لكنه لا يؤثر في العقد فالعقد جائز والشرط باطل.

ولو باع ثوباًعلى أن يحرقه المشتري أو داراً على أن يخربها فالبيع جائز والشرط باطل. لأن شرط المضرة لايؤثر في البيع على ما ذكرنا.

(وأما) الشرط الذي يقتضيه العقد فلا يوجب فساده. كما إذا اشترى بشرط أن يمتلك المبيع أو باع بشرط أن يمتلك الثمن ونحو ذلك فالبيع جائز؛ لأن البيع يقتضي هذه المذكورات من غير شرط فكان ذكرها في معرض الشرط تقريراً لمقتضى العقد فلا توجب فساد العقد. وكذلك الشرط الذي لا يقتضيه العقد لكنه ملائم للعقد لا يوجب فساد العقد أيضًا، لأنه مقرر لحكم العقد من حيث المعنى مؤكد إياه، فيلحق بالشرط الذي هو من مقتضيات العقد وذلك نحو ما إذا باع على أن يعطيه المشتري بالثمن رهنًا أو كفيلًا والرهن معلوم والكفيل حاضر فقبل وجملة الكلام في البيع بشرط إعطاء الرهن أن الرهن لا يخلو إما أن يكون معلومًا أو مجهولًا، فإن كان معلومًا فالبيع جائز استحسانًا، والقياس أن لا يجوز، لأن الشرط الذي يخالف مقتضى العقد مفسد في الأصل، وشرط الرهن والكفالة مما يخالف مقتضى العقد فكان مفسدًا، إلا أنّا استحسنا الجواز لأن هذا الشرط لو كان مخالفًا مقتضى العقد صورة فهو موافق له معنى، لأنه الرهن بالثمن شرع توثيقًا للثمن، وكذا الكفالة، فإن حق البائع يتأكد بالرهن والكفالة فكان كل واحد منهما مقررًا لمقتضى العقد معنى، فأشبه اشتراط صفة الجودة للثمن وأنه لا يوجب فساد العقد فكذا هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>