للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال البابرتي في شرحه:

قال: (ومن باع عبدًا على أن يعتقه المشتري) شرع في بيان الفساد الواقع في العقد بسبب الشرط، وذكر أصلًا جامعًا لفروع أصحابنا، وتقريره أن الشرط ينقسم أولًا إلى ما يقتضيه العقد وهو الذي يفيد ما يثبت بمطلق العقد: كشرط المالك للمشتري، وشرط تسليم الثمن، أو المبيع، وإلى ما لا يقتضيه وهو ما كان بخلاف ذلك، وهذا ينقسم إلى ما كان متعارفًا وإلى ما ليس كذلك، وهذا ينقسم إلى ما فيه منفعة لأحد المتعاقدين وإلى ما ليس فيه ذلك، وهذا ينقسم إلى ما فيه منفعة للمعقود عليه وهو من أهل الاستحقاق وإلى ما هو بخلافه في القسم الأول جاز البيع، والشرط يزيده وكادة. لا يقال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط، وهو بإطلاقه يقتضي عدم جوازه، لأنه في الحقيقة ليس بشرط حيث أفاد ما أفاده العقد المطلق.

وفي الأول من القسم الثاني، وهو ما كان متعارفًا، كبيع النعل مع شرط التشريك، كذلك، لأن الثابت بالعرف قاضٍ على القياس، لا يقال فساد البيع شرط ثابت بالحديث، والعرف ليس بقاضٍ عليه، لأنه معلول بوقوع النزاع المخرج للعقد عن المقصود به وهو قطع المنازعة، والعرف ينفي النزاع فكان موافقًا لمعنى الحديث فلم يبق من الموانع إلا القياس على ما لا عرف فيه بجامع كونه شرطًا، والعرف قاضٍ عليه، وفيما إذا لم يكن متعارفًا وفيه منفعة لأحد المتعاقدين كبيع عبد بشرط استخدام البائع مدة يكون العقد فاسدًا لوجهين؛ لأنه فيه زيادة عارية عن العوض لأنهما لما قصدًا المقابلة بيع المبيع والثمن خلا الشرط عن العوض وهو الربا. لا يقال: لا تطلق الزيادة إلا على المتجانسين للمزيد عليه والمشروط منفعة فكيف يكون ربا؛ لأنه مال جاز أخذ العوض عليه ولم يعوض عنه بشيء فكان ربا، ولأنه يقع بسبب المنازعة في مقصوده فيعرى العقد عن مقصوده من قطع النزاع لما عرف في بيان أسباب الشرائع.

وفيما إذا كان فيه منفعة للمعقود عليه كشرط أن لا يبيع المشتري العبد المبيع فإن العبد يعجبه أن لا تتداوله الأيدي وتمام العقد بالمعقود عليه حتى لو زعم أنه حر كان البيع باطلًا، فاشتراط منفعته كاشتراط منفعة أحد المتعاقدين فهو فاسد بالوجهين.

وفيما إذا لم يكن فيه منفعة لأحد فالبيع صحيح والشرط باطل، كشرط أن لا يبيع الدابة المبيعة لأنه لا مطالب له بهذا الشرط فلا يؤدي إلى الربا ولا إلى المنازعة، فكان الشرط لغوًا، وهو ظاهر المذهب، وفي رواية عن أبي يوسف أنه يبطل البيع به، نص عليه في آخر المزارعة لتضرر المشتري به من حيث إنه يتعذر عليه التصرف في ملكه، والشرط الذي فيه ضرر كالشرط الذي فيه منفعة لأحد المتعاقدين.

والجواب أن المعتبر المطالبة وهي تتوجه بالمنفعة في الشرط دون الضرر، وإذا ثبت هذا ظهر أن بيع العبد بشرط أن يعتقه المشتري , يدبره أو يكاتبه، أو أمة على أن يستولدها المشتري، فاسد لأنها شروط لا يقتضيها العقد، وفيها منفعة للمعقود عليه، لأن قضيته الإطلاق في التصرف والتخير لا الإلزام، والشرط يقتضي الإلزام حتمًا، والمنافاة بينهما ظاهرة، وليس أحدهما من العقد والشرط أولى بالعمل من الآخر، فعملنا بهما وقلنا إنه فاسد، والفاسد ما يكون مشروعًا بأصله غير مشروع بوصفه؛ فبالنظر إلى وجود ركن العقد كان مشروعًا، وبالنظر إلى عروض الشرط كان غير مشروع فكان فاسدًا (١) .


(١) راجع العناية مع شرح فتح القدير: ٦ / ٧٦ – ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>