وروى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما فتح هذا المصران (العراق ومصر) أتوا عمر. فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لأهل نجد قرنًا، وهو جور عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرنًا شق علينا. قال: فانظروا حذوها من طريقكم. فحد لهم (أهل العراق) ذات عرق. وهذه المواقيت المكانية تعد من معجزات النبوة، حيث وقتها رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه البلدان قبل إسلام أهلها، كما أشار إليه النظم بقوله:
وتعيينها من معجزات نبينا
لتعيينه من قبل فتح المعدد
لكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يفتح في زمنه سوى مكة والطائف، والذي حج مع النبي صلى الله عليه وسلم هم أهل المدينة، وعرب الحجاز ومن يليهم من أهل نجد، وبعض من أسلم من أهل اليمن، فكانوا قليلين بالنسبة إلى الحجاج في هذه السنين.
وهذا التحديد بهذه الصفة، وقع حيث كان حج الناس على الدواب من الإبل والخيل والحمير، ويمرون بهذه الطرق، وهي المواقيت المكانية لسائر أهلها، ولمن مر عليها إلى يوم القيامة.
وقد انتشر الإسلام، وامتد سلطان المسلمين على كثير من البلدان التي لم يقع لها ذكر في التحديد، كمصر، والسودان، والمغرب، وسائر أفريقيا، وبلدان الترك، والهند، وكثير من المسلمين الذين يسكنون في بلدان النصارى، وفي الصين، واليابان، وروسيا، بحيث أنهم في تلك الأزمنة لا يستطيعون حيلة في الوصول إلى مكة، ولا يهتدون إليها سبيلاً، فلم يقع لهم ذكر في التحديد من جهة البحر سوى قوله:((هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)) (١) .
ومن المعلوم أن ركاب الطائرات لا يأتون إلى هذه المواقيت، ولا يمرون عليها.
وقد صار حج جميع أولئك على متون الطائرات التي تحلق بهم إلى أجواء السماء مسافة الألوف من الأقدام في الارتفاع، حتى تهبط بهم على ساحل جدة بحيث لا يمرون بشيء من المواقيت.
والحكم يدور مع علته، ولكل حادث حديث، ولن يعجز الفقه الإسلامي الصحيح الواسع الأفق عن إخراج حكم صحيح في تعيين ميقات يعترف به لحج هؤلاء القادمين على متون الطائرات؛ لكون شريعة الإسلام كفيلة بحل مشاكل العالم ما وقع في هذا الزمان، وما سيقع بعد أعوام.