للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاختلف العلماء لتعارض هذه الأحاديث في بيع وشرط:

وذكر الاختلاف ثم قال: وأما مالك، فالشروط عنده تنقسم ثلاثة أقسام:

شروط تبطل هي والبيع معًا، وشروط تجوز هي والبيع معًا، وشروط تبطل ويثبت البيع، وقد يظن أن عنده قسمًا رابعًا وهو أن من الشروط ما إن تمسك المشترط بشرطه بطل البيع، وإن تركه جاز البيع، وإعطاء فروق بينة في مذهبه بين هذه الأصناف الأربعة عسير، وقد رام ذلك كثير من الفقهاء، وإنما هي راجعة إلى كثرة ما يتضمن الشروط من صنفي الفساد الذي يخل بصحة البيوع وهما الربا والغرر وإلى قلته وإلى التوسط بين ذلك، أو إلى ما يفيد نقصًا في الملك فما كان دخول هذه الأشياء به كثيرًا من قبل الشرط أبطله وأبطل الشرط، وما كان قليلًا أجازه وأجاز الشرط فيها، وما كان متوسطًا أبطل الشرط وأجاز البيع، ويرى أصحابه أن مذهبه هو أولى المذاهب، إذا بمذهبه تجتمع الأحاديث كلها، والجمع عندهم أحسن من الترجيح (١) ، وللمتأخرين من أصحاب مالك في ذلك تفصيلات متقاربة، وأحد من له ذلك جدي والمازري والباجي، وتفصيله في ذلك أن قال: إن الشرط في المبيع يقع على ضربين أولين:

أحدهما: أن يشترطه بعد انقضاء الملك مثل من يبيع الأمة أو العبد، ويشترط أنه متى عتق كان له ولاؤه دون المشتري، فمثل هذا قالوا: يصح فيه العقد ويبطل الشرط لحديث بريرة.

والقسم الثاني أن يشترط عليه شرطًا يقع في مدة الملك وهذا قالوا: ينقسم إلى ثلاثة أقسام: إما أن يشترط في المبيع منفعة لنفسه، وإما أن يشترط على المشتري منعًا من تصرف عام أو خاص، وإما أن يشترط إيقاع معنى في المبيع.

وهذا أيضًا ينقسم إلى قسمين: أحدهما: أن يكون معنى من معاني البر.

والثاني: أن يكون معنى ليس فيه من البر شيء. فأما إذا اشترط لنفسه منفعة يسيره لا تعود بمنع التصرف في أصل المبيع، مثل أن يبيع الدار ويشترط سكناها مدة يسيرة مثل الشهر، وقيل السنة، فذلك جائز على حديث جابر. وإما أن يشترط منعًا من تصرف خاص أو عام، فذلك لا يجوز لأنه من الثنيا، مثل أن يبيع الأمة على أن لا يطأها أولا يبيعها، وإما أن يشترط معنى من معاني البر مثل العتق، فإن كان اشترط تعجيله جاز عنده، وإن تأخر لم يجز لعظم الغرر فيه (٢) .

ثم قال: وأما إن اشترط معنى في المبيع ليس ببر مثل أن لا يبيعها، فذلك لا يجوز عند مالك، وقيل عنه البيع مفسوخ، وقيل بل يبطل الشرط فقط، وأما من قال له البائع: متى جئتك بالثمن رددت على المبيع فإنه لا يجوز عند مالك، لأنه يكون مترددًا بين بيع المبيع والسلف وإن جاء بالثمن كان سلفًا، وإن لم يجيء كان بيعًا (٣) .


(١) ومع ذلك قال ابن عبد البر في الاستذكار: ١٩ / ٧٣، حديث جابر اختلف في ألفاظه اختلافًا لا تقوم معه حجة، أي أنه رد الحديث الذي رواه الشيخان بألفاظ صريحة في البيع مع الشرط.
(٢) ومثال العتق الهبة والصدقة والوقف – انظر الخرشي: ٣ / ٨١ ومعه حاشية العدوي
(٣) انظر بداية المجتهد: ٣ / ٣٠٨ – ٣١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>