للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الشاطبي:

الشروط مع مشروطاتها على ثلاثة أقسام:

(أحدهما) أن يكون مكملًا لحكمة المشروط وعاضدًا لها بحيث لايكون فيه منافاة لها على حال؛ كاشتراط الصيام في الاعتكاف عند من يشترطه، واشتراط الكف، والإمساك بالمعروف والتسريح بإحسان – في النكاح، واشتراط الرهن والحميل والنقد أو النسيئة في الثمن – في البيع، واشتراط العهدة في الرقيق، واشتراط مال العبد، وثمرة الشجرة، وما أشبه ذلك. وكذا اشتراط الحول في الزكاة، والإحصان في الزنى، وعدم الطول في نكاح الإماء، والحرز في القطع فهذا القسم لا إشكال في صحته شرعًا لأنه مكمل لحكمة كل سبب يقتضي حكمًا.

(والثاني) أن يكون غير ملائم لمقصود المشروط ولا مكمل لحكمته، بل هو على الضد من الأول؛ كما إذا اشترط في الصلاة أن يتكلم فيها إذا أحب، أو اشترط في الاعتكاف أن يخرج عن المسجد إذا أراد – بناءً على رأي مالك، أو اشترط في النكاح أن لا ينفق عليها أو أن لا يطأها وليس بمجبوب ولا عنين، أو شرط في البيع أن لا ينتفع بالمبيع، أو إن انتفع فعلى بعض الوجوه دون بعض أو شرط الصانع على المستصنع أن لا يضمن المستأجر عليه إن تلف، وأن يصدقه في دعوى التلف، وما أشبه ذلك. فهذا القسم أيضًا لا إشكال في إبطاله، لأنه مناف لحكمة السبب، فلا يصح أن يجتمع معه.

(والثالث) أن لا يظهر في الشرط منافاة لمشروطه ولا ملاءمة، وهو محل نظر: هل يحلق بالأول من جهة عدم المنافاة؟ أو بالثاني من جهة عدم الملاءمة ظاهرًا؟ والقاعدة المستمرة في أمثال هذا، التفرقة بين العبادات والمعاملات، فما كان من العبادات لا يكتفي فيه بعدم المنافاة دون أن تظهر الملاءمة، لأن الأصل فيها التعبد دون الالتفات إلى المعاني، والأصل فيها أن لا يقدم عليها إلا بإذن إذ لا مجال للعقول في اختراع التعبدات، فكذلك ما يتعلق بها من الشروط وما كان من العاديات يكتفي فيه بعدم المنافاة؛ لأن الأصل فيها الالتفات إلى المعاني دون التعبد، والأصل فيها الإذن حتى يدل الدليل على خلافه. والله أعلم (١) .


(١) انظر الموافقات: ١ / ٢٨٣ – ٢٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>