للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الخامس

الشروط عند الحنابلة

قال ابن قدامة:

الشروط تنقسم إلى أربعة أقسام:

(أحدها) ما هو من مقتضى العقد كاشتراط التسليم، وخيار المجلس، والتقابض في الحال. فهذا وجوده كعدمه، لا يفيد حكمًا، ولا يؤثر في العقد.

(والثاني) تتعلق به مصلحة العاقدين، كالأجل، والخيار، والرهن، والضمين، والشهادة، أو اشتراط صفة مقصودة في المبيع كالصناعة، والكتابة ونحوها. فهذا جائز يلزم الوفاء به. ولا نعلم في صحة هذين القسمين خلافًا.

(الثالث) ما ليس من مقتضاه، ولا من مصلحته، ولا ينافي مقتضاه، وهو نوعان، أحدهما، اشتراط منفعة البائع في المبيع، فهذا قد مضى ذكره. الثاني، أن يشترط عقدًا في عقدٍ، نحو أن يبيعه شيئًا بشرط أن يبيعه شيئًا آخر، أو يشتري منه، أو يؤجره، أو يزوجه، أو يسلفه، أو يصرف له الثمن أو غيره، فهذا شرط فاسد يفسد به البيع، سواء اشترطه البائع أو المشتري، وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى.

(الرابع) اشتراط ما ينافي مقتضى البيع، وهو على ضربين، أحدهما، اشتراط ما بني على التغليب والسراية، مثل أن يشترط البائع على المشتري عتق العبد، فهل يصح؟ على روايتين؛ إحداهما: يصح. والثانية: الشرط فاسد. الضرب الثاني: أن يشترط غير العتق مثل أن يشترط أن لا يبيع، ولا يهب، ولا يعتق، ولا يطأ. أو يشترط عليه أن يبيعه، أو متى نفق المبيع وإلا رده، أو إن غصبه غاصب رجع عليه بالثمن، أو إن أعتقه فالولاء له، فهذه وما أشبهها شروط فاسدة، وهل يفسد بها البيع؟ على روايتين؛ قال: المنصوص عن أحمد أن البيع صحيح. وهو ظاهر كلام الخرقي هاهنا، وهو قول الحسن، والشعبي والنخعي، والحكم، وابن أبي ليلى، وأبي ثور. والثانية: البيع فاسد. وهو قول أبي حنيفة، والشافعي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط. ولأنه شرط فاسد، فأفسد البيع كما لو شرط فيه عقداً آخر. ولأن الشرط إذا فسد، وجب الرجوع مما نقصه الشرط من الثمن، وذلك مجهول فيصير الثمن مجهولًا (١) .

وقال ابن قدامة:

المذهب أنه يصح اشتراط منفعة البائع في المبيع، ثم أن يشتري ثوبًا، ويشترط على بائعه خياطته قميصًا، أو فلعة ويشترط حذوها نعلًا، أو جرزة حطب ويشترط حملها إلى موضع معلوم، نص عليه أحمد في رواية مهنا وغيره، حتى قال القاضي: لم أجد بما قال الخرقي رواية في أنه لا يصح (٢) .

وقال أيضًا:

ويصح أن يشترط البائع نفع المبيع مدة معلومة، مثل أن يبيع دارًا ويستثني سكناها شهرًا، أو جملًا يتشرط ظهره إلى مكان.. . . نص عليه أحمد.


(١) انظر المغني: ٦ / ٣٢٣ – ٣٢٥.
(٢) المرجع السابق: ٦ / ١٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>