للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦- ما ذهب إليه الإمام أحمد من عدم جواز الشرطين في البيع يستند إلى حديث صحيح، والراجح أن الشرطين يراد بهما البيعتان في بيعة، فاجتماع الشرطين يؤدي إلى الربا كما بين ابن القيم، أو فيه غرر كما بين غيره. أما الشرطان أو الشروط الصحيحة التي لا يؤدي اجتماعها إلى ربا أو غرر أو محظور شرعي فإنها تبقى صحيحة ويصح معها العقد.

٧- بين ابن تيمية الفرق بين مقتضى العقد، ومقصوده، ومقصود الشرع، وذهب إلى أن الشرط لا يبطل بمخالفة مقتضى العقد وإنما بمخالفة مقصوده أو مقصود الشرع، واستدل بأدلة كثيرة، ووضح رأيه بأمثلة متعددة، فلعل رأيه يعتبر راجحًا.

٨- قول الحنفية بأن الشرط الذي فيه منفعة لأحد المتعاقدين فاسد ويفسد العقد لأنه له مطالب فتحدث المنازعة، وقول الشافعية بأن الشروط الفاسدة تبطل البيع لمنافاة مقتضاه، وهو رواية عند الحنابلة غير المنصوص عن أحمد، هذه الأقوال فيها نظر؛ ففي حديث بريرة صح العقد وبطل الشرط.

وقول المالكية بأن الاشتراط إذا كان بعد انقضاء الملك، يصح العقد ويبطل الشرط لحديث بريرة، أما مدة الملك في غير العتق: فقيل عن مالك: البيع مفسوخ، وقيل: بل يبطل الشرط فقط، هذه التفرقة التي انفرد بها المالكية سببها غير واضح لدي.

وقول المالكية بصحة البيع وفسخ الشرط إذا كان خفيفًا فلم يقع عليه حصة من الثمن قول لعله راجح؛ فلو وقع عليه حصة من الثمن لما أمكن فسخ الشرط دون البيع لأثر ذلك على البائع.

ولعل من الراجح أيضًا قول الحنابلة بأن اشتراط عقد في عقد آخر فاسد يفسد به البيع، فهذا بيعتان في بيعة.

ويمكن القول بأن الشرط الفاسد إذا أمكن إبطاله دون أن يؤثر على العقد: صح العقد وبطل الشرط وذلك مثل حديث بريرة.

أما إذا لم يكن إبطاله إلا بإبطال العقد، كالشرط الذي يؤدي إلى غرر فاحش في الثمن أو المثمون، أو يمكن إبطاله ولكن ذلك يؤدي إلى ضرر أو غبن أو أكل لأموال الناس بالباطل، فعندئذ يبطل العقد والشرط، ومعنى ذلك أن نجعل حديث بريرة هو الأصل الذي نقيس عليه كلما أمكن.

وإذا كان هذا في عقود المعاوضات المالية، فلعل من الأرجح والأولى أن نأخذ برأي الجمهور في النكاح، فلا نبطل العقد بالشروط الفاسدة، بل نبطل الشروط ويبقى العقد صحيحًا، والله عز وجل هو الأعلم.

بعد هذه الدراسة التي أعاننا الله سبحانه وتعالى عليها، ووفقنا إليها، نستطيع في ضوئها أن ننظر إلى الشروط الجزائية في التطبيق العملي، وأن نسترشد بها للحكم على هذه الشروط، وهو ما نتناوله في البحث التالي.

<<  <  ج: ص:  >  >>