للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣- من الواضح صحة قول الحنفية بأن الشرط الفاسد يؤدي إلى الغرر، أو الربا، فيجب ألا يكون المشروط محظورا، ولكن يبدو من الواضح أيضًا أن هذا لا ينطبق على كل شرط لا يقتضيه العقد، وليس بملائم له، وليس فيه تعامل للناس، ولا عرف ظاهر، حيث جعل الحنفية هذا شرطًا غير صحيح، والأحاديث الثلاثة الأولى تبين صحته.

ومن غير الواضح تفسيرهم للربا! فقد جعلوا المنفعة المشروطة لأحد المتعاقدين من الربا! أي أن شرط جابر يعتبر من الربا المحرم!! ومثله كل منفعة إن كانت مشروعة في ذاتها، وقد ذكر الكاساني كثيرًا منها فيما سبق.

والقول بأن الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي، وتصحيح الشروط التي جرى التعامل بها بين الناس، هذا فيه نظر، فصحة الشروط ليس ردها إلى العرف وتعامل الناس؛ فما أكثر ما يتعارف الناس على أمور غير مشروعة! وهذا واضح كل الوضوح في عصرنا. وإنما تصح الشروط التي تخلو من الربا والغرر وأي محظور شرعي، سواء أجرى العرف بها أم لم يجر (١) ، والمراد بالربا هو الربا المعلوم من الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح، وهو أشد تحريمًا من الغرر، ولذلك رخص فيما تدعو إليه الحاجة من الغرر اليسير، وحرم الربا قليله وكثيره، ولهذا لا يجوز الجمع بين الربا والغرر عند الحديث عن القليل الذي يصح معه العقد والشرط كما جاء مثلًا في كلام ابن رشد الحفيد (٢) .

٤- قول المالكية بجواز اشتراط المنفعة إذا كانت يسيرة، وعدم جوازها في غير ذلك فيه نظر، فلعل الأولى أن يقال إذا كانت معلومة، فهذا هو الذي ثبت في حديث النهي عن الثنيا إلا أن تعلم، واشتراط ظهر بعير جابر كان لمسافة معلومة، وهذا هو المذهب الحنبلي، وفيما يبدو هو الراجح.

٥- البيع بشرط العتق: عدم جوازه كما ذهب إليه الحنفية لتعارضه مع النص، وجوازه عند المالكية لأنه عمل من أعمال البر يستلزم جواز شرط كل عمل من أعمال البر، والوقوف عند العتق بحيث لا يتعداه إلى غيره بسبب السراية كما بين الإمام الشافعي، أو سبب التغليب والسراية كما قال أصحاب الإمام أحمد، هذا أمر فيه نظر، وذكرنا ما يدل على عدم ترجيحه.


(١) في قرار المجمع رقم ٤٧ (٩ / ٥) بشأن العرف جاء أن العرف المعتبر شرعًا لا يخالف الشريعة، فإن خالف العرف نصًا شرعيًّا، أو قاعدة من قواعد الشريعة فإنه عرف فاسد.
(٢) أشار ابن رشد الحفيد إلى صنفي الفساد الذي يخل بصحة البيوع وهمًا الربا والغرر، وقال: فما كان دخول هذه الأشياء فيه كثيرًا من قبل الشرط أبطله مالك وأبطل الشرط، وما كان قليلًا أجازه وأجاز الشرط فيه. راجع قوله في المبحث الثالث: الشروط عند المالكية.

<<  <  ج: ص:  >  >>