فمتى كان الأمر بهذه الصفة، وأن القضية هي موضع اجتهاد، وتطلب من العلماء والحكام تحقيق النظر في تعيين الميقات لهؤلاء القادمين على متون الطائرات لحجهم وعمرتهم، ولا أَوْفَقَ ولا أَرْفَقَ مِن جَعْلِ جدة هي الميقات، إذ هي باب الدخول إلى مكة من جهة البحر، فتكون ميقاتًا لجميع القادمين إليها على الطائرات أو البواخر والسفن لتمكن الحاج من فعل ما يسن في الإحرام، أشبه ما فعله عمر حين وقت لأهل العراق ذات عرق، ويجب على جميع الكافة طاعتهم ومتابعتهم على هذا التوقيت؛ لقوله سبحانه:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ}[النساء: ٥٩] ، فألو الأمر هم: العلماء والحكام الذين تجب طاعتهم في مثل هذا، إذ هو من طاعة الله سبحانه.
وبما أن الحكمة في وضع المواقيت في أماكنها الحالية كونها بطرق الناس وعلى مداخل مكة، وكلها تقع بأطراف الحجاز، وقد صارت جدة طريقًا لجميع ركاب الطائرات، ويحتاجون بداعي الضرورة إلى تعيين ميقات أرضي يحرمون منه لحجهم وعمرتهم، فوجبت إجابتهم، كما وقت عمر لأهل العراق ذات عرق، إذ لا يمكن جعل الميقات في أجواء السماء أو في لجة البحر الذي لا يتمكن الناس فيه من فعل ما ينبغي لهم فعله، من خلع الثياب والاغتسال للإحرام والصلاة وسائر ما يسن للإحرام؛ إذ هو مما تقتضيه الضرورة، وتوجبه المصلحة، ويوافقه المعقول، ولا يخالف نصوص الرسول صلى الله عليه وسلم.
فهذه نصحيتي للملوك والحكام، وللعلماء الكرام، والله خليفتي عليهم، والسلام.