للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما يعمل به عمومً من مصادرة هذا المبلغ إذا سحب العارض عرضه قبل موعد إرساء العطاء، غير مقبول من الناحية الشرعية إطلاقًا، وهو من قبيل أكل أموال الناس بالباطل، لأننا حققنا فيما سبق أن التقدم بالعرض إيجاب من قبل العارض. ويحق شرعًا لكل من يتقدم بالإيجاب أن يرجع عن إيجابه قبل قبول الآخر، فلا وجه لمصادرة ما تقدم به من الضمان الابتدائي، وكثيرًا ما تقع حالات يضطر فيها العارض لسحب عرضه، فكيف يجوز معاقبته في مثل هذه الحالات؟ حتى لو أخذنا بقول المالكية الذين يرون التقدم بالعرض في المزايدة ملزمًا على الموجب / العارض، ولا يعترفون بحقه في الرجوع، فإن غاية هذا الإلزام أن يجبر على العقد قضاء، أو يحمل الضرر المالي الذي تضررت به الجهة صاحبة المناقصة فعلًا، وإلا صارت هذه المصادرة عقوبة مالية لا يجوز لأحد أن ينفذها إلا القاضي على قول من يجوز الغرامة المالية كعقوبة مشروعة، وخاصة في حين أن المالكية إنما ألزموا الإيجاب على العارض في المزاد العلني الذي يرسو فيه العطاء في مجلس المزاد، ولا ينطبق ذلك تمامًا على المناقصات السرية التي يتم البت فيها بعد مدة تحتمل فيها تقلبات الأسعار بصفة غير متوقعة.

فلا يجوز شرعًا مصادرة الضمان الابتدائي إذا سحب العارض عرضه قبل إرساء العطاء. وقد يستشكل هذا بأنه لا تظهر هناك فائدة لهذا الضمان إذا وجب رد مبلغه إلى العارض في جميع الحالات، والجواب عن هذا الإشكال أن هذا المبلغ ليس إلا للتأكد من جدية صاحب العرض، وليس ضمانًا في مفهومه الفقهي، فإن الضمان إنما تسبقه مديونية، وإن مجرد التقدم بالعرض لا ينشئ دينًا على صاحب العرض ولا شك أن من يتقدم بهذا المبلغ عند تقديم عرضه، فإنه ينبئ عن جديته في الاشتراك، لأنه لا يتنازل أحد عن سيولته، ولو لمدة قصيرة، إلا من يريد أن يدخل في العقد حقيقة، وهذه الفائدة حاصلة، والله سبحانه أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>