للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكم الضمان النهائي:

أما الضمان النهائي، فإنه يطالب به من يفوز بالصفقة من بين العارضين وإنما يطالب به لتوثيق أن الفائز بالصفقة يلتزم بمسؤولياته التعاقدية، وقد زعم بعض الناس أنه من قبيل العربون، وليس الأمر كذلك، لأن العربون الذي أجازه الحنابلة إنما يقدمه المشتري، وصاحب العرض في المناقصات هو البائع إذا كان موضوع المناقصة توريدًا، أو استصناعًا، والمؤجر إن كانت المناقصة موضوعها تقديم بعض الخدمات، والواقع أنه لا يوجد هناك نظير في الفقه الإسلامي بمطالبة شيء من البائع أو المؤجر إلا مطالبة الرهن من المسلم إليه الذي جوزه بعض الفقهاء ومنعه آخرون. ولكن ذلك إنما يمكن إذا كان البيع باتًا، كما في السلم أو الاستصناع، أما في عقود التوريد فلا. وغاية ما يمكن أن يبرر به هذا الضمان هو على أساس (ضمان الجدية) فينطبق عليه كل ما ذكرنا في الضمان الابتدائي من أنه أمانة ابتداء، وإن خلط بمال آخر، فإنه مضمون على صاحب المناقصة، وإن وقع استثماره فإنه يرجع ربحه إلى المتقدم به، ويجب رده، مع ربحه (إذا كان مستثمرًا في جهة مقبولة شرعًا) على صاحبه عند تمام تنفيذ العقد. ولا يجوز مصادرته إلا إذا تخلف صاحبه من أداء واجبه، وحصل بالتخلف ضرر مالي لصاحب المناقصة فعلًا، فيمكن أن تقع المقاصة بين هذا المبلغ وبين ما يجب على المتعاقد من تعويض مالي:

وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي بشأن الضمان في بيوع المزايدة بما نصه:

" طلب الضمان ممن يريد الدخول في المزايدة جائز شرعًا، ويجب أن يرد لكل مشارك لم يرس عليه العطاء، ويحتسب الضمان المالي من الثمن لمن فاز بالصفقة " (١) .

وبما أن هذا القرار كان موضوعه المزايدة، ويطلب فيه الضمان من المشتري، فيمكن تخريجه على أساس العربون، وليس الأمر كذلك في المناقصات التي يطلب فيها الضمان من البائع أو المقاول، فلابد من رد هذا المبلغ بعد تنفيذ العقد مع سائر واجبات المتعاقد الأخرى، ولا يصادر هذا المبلغ إلا في الصورة التي ذكرناها من تخلف المتعاقد عن تنفيذ العقد، وتحميله الضرر الفعلي المالي الذي أصاب صاحب المناقصة، حينئذ تقع المقاصة بين المالين، والله سبحانه وتعالى أعلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


(١) قرار رقم (٧٣) : ٤/٨، في الدورة الثامنة للمجمع المنعقدة في بروناي سنة (١٤١٤هـ) ، مطبوعًا في مجلة المجمع (العدد الثامن) : ٢ / ٢٥، فقرة (٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>