للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما البيع فإنه أيضًا ممنوع من تعلقه بما ليس عنده؛ لأننا قد قلنا إنه يجب أن يكون معينًا، ويكون في ملكه، فإن لم يكن في ملكه وكان معينًا لم يصح لما فيه من الغرر؛ لأنه لا يمكنه تخليصه، وإذا لم يقدر على تخليصه لم يمكنه تسليمه، وما لا يمكنه تسليمه لا يصح بيعه، ولذلك لم يجز بيع العبد الآبق، والجمل الشارد، والطائر في الهواء، والسمك في البحر، وغير ذلك مما لا يمكن تسليمه....." (١)

اتجه الإمام الباجي هذا الاتجاه في تخصيص معنى الحديث بالأعيان المعينة في البيع الحال البات وأيده الأستاذ الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير بقوله: " وأرى أن عدم جواز بيع ما ليس عند البائع خاص فيما كان فيه البيع حالًا كما يستفاد من قصة الحديث، ولأن هذه هي الحالة التي يتصور فيها النزاع، أما لو تم البيع على أن يسلم البائع المبيع بعد مدة من الزمن فإن هذا ينطبق عليه حكم تأجيل المبيع. . . " (٢) .

ثم خلص من هذا إلى النتيجة التالية: " ولهذا فلا ينبغي أن يقال: إن بيع الاستيراد المتعارف عليه عند التجاريين يتناوله النهي عن بيع ما ليس عند البائع؛ لأن بيع الاستيراد مدخول فيه على تأجيل المبيع، وبيع ما ليس عند البائع المنهي عنه مدخول فيه على تسليم المبيع في الحال ". (٣)

يتضح من كل ما تقدم: أن عقد التوريد في صيغته المقبولة شرعًا لا يتعارض مع الحديثين السابقين بوجه من الوجوه.

بهذا يتم الاستدلال، ويخلص القول إلى إباحة عقد التوريد إذا لم يخالف الأركان والشروط المعتبرة في عقد البيع؛ إذا هو نوع منه، وفرد من أفراده.


(١) المنتقى شرح موطأ مالك، مصورة عن الطبعة الأولى عام (١٣٣٢ هـ) بيروت: دار الكتاب العربي: ٤ / ٢٨٦.
(٢) الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي، دراسة مقارنة، الطبعة الأولى، مصر: مطبعة دار نشر الثقافة، عام ١٣٨٦ هـ - ١٩٦٧ م، ص ٣٢٠.
(٣) الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي، ص ٣٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>