بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين وسيد المرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى كل من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فأشكر فضيلة الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان على تلخيصه للأبحاث فيما يتعلق بعقود التوريد، ولا أريد أن أعيد ما ذكره فضيلته لكنني أريد أن أضيف إليه نقطة جاءت في بحثي كما ذكره فضيلة الدكتور وهو أنني كيفت عقود التوريد على أساس أنها مواعدة ملزمة للجانبين وليست عقدًا باتًا. وإنما ذهبت إلى هذا الرأي من جهة أن جمهور العلماء والفقهاء عبر القرون قد اتفقوا على عدم جواز بيع المعدوم، وعلى عدم جواز بيع الكالئ بالكالئ. فبدلًا من أن نأتي برأي يخالف جمهور الفقهاء من الهين أن نقول إنها مواعدة موافقة الطرفين على إنجاز العقد في تاريخ لاحق، وهو يحتاج إلى الإيجاب والقبول في ذلك التاريخ اللاحق. والإشكال الوحيد على هذا التكييف أنه قد صدر من مجمعنا الموقر قرار بأنه إذا كان الوعد من طرف واحد فإنه يمكن أن يعتبر ملزمًا، أما إذا كان من الجانبين وصار مواعدة فإنه لا يمكن أن يكون ملزمًا.
وإنما صدر هذا القرار على أساس أنه إذا اعتبرنا المواعدة ملزمة للجانبين فإنها تكون في قوة العقد نفسه، ويلتبس بالعقد فلا يبقى هناك فرق بين هذه المواعدة اللازمة وبين بيع المضاف إلى المستقبل الذي اتفقا الأئمة الأربعة على عدم جوازه، لكني ذكرت في بحثي أن هناك فرق كبير بين المواعدة الملزمة وبين إنجاز العقد نفسه، والفرق أن إنجاز العقد ينقل المعقود عليه من ذمة إلى ذمة، فمن أنجز الشراء فإنه جعل الثمن دينًا في ذمته، ومن أنجز البيع فإنه نقل ملكية المبيع إلى المشتري أو جعل المبيع دينًا في ذمته إن كان البيع سلمًا. وإن هذا الانتقال من ذمة إلى ذمة يحدث فور ما يتم الإيجاب والقبول، ولذلك من اشترى دارًا لسكناه مثلًا ولم يدفع الثمن إلى بائعها فإنه صار مدينًا للبائع بمقدار الثمن وتجري عليه سائر أحكام المديون، فلا تجب عليه الزكاة بمقدار هذا الدين على قول من يجعل الدين مانعًا لوجوب الزكاة حالًا كان أو مؤجلًا. إذا أفلس المشتري فإن البائع أسوة للغرماء مطلقًا على قول الحنفية، وعند تغير المبيع عند الجمهور، وكذلك من باع الحنطة سلمًا فإن أصبح مدينًا للمشتري بذلك المقدار من الحنطة فتسقط عنه الزكاة بذلك المقدار لكونه دينًا عليه ولا يسقط هذا الدين بموت المسلم إليه، فيؤخذ المسلم فيه من تركته حالًا.