أما المواعدة فلا تنشئ دينًا على أحد من الطرفين، فلا تحدث بها هذه النتائج، فإذا تواعدا على بيع الشيء في تاريخ لاحق لم يكن الثمن دينًا في ذمة الواعد بالشراء فلا تسقط عنه الزكاة بمقدار الثمن، ولم يكن المبيع دينًا في ذمة الواعد بالبيع، فلا تسقط عن زكاته. ولا يحق للواعد بالشراء أن يأخذ الشيء الموعود بيعه من تركة الواعد بالبيع بعد موته، أو بعد إفلاسه. فظهر أن المواعدة ليست عقدًا ولا تنتج عنها آثار العقد ولا المديونية إلا في التاريخ الموعود، ولا تحدث هذه النتائج بصفة تلقائية، حتى في التاريخ الموعود بل يجب عند ذلك أن يتم الإيجاب والقبول من الطرفين. على أنه إن عرض لأحد الطرفين في المواعدة عذر حقيقي مقبول منعه من إنجاز الوعد، فإنه يعد معذورًا ولا يجبر على إنجاز العقد ولا على دفع التعويض. أما في البيع المضاف إلى المستقبل فعجز أحد الطرفين من تنفيذ مسؤولياته العقدية لا يسبب فسخ البيع تلقائيًّا وإنما يحتاج إلى الإقالة بالتراضي.
أما أثر كون المواعدة لازمًا فلا يتجاوز من أن يجبر الحاكم الفريقين بإنجاز العقد في التاريخ الموعود. وإن أخل أحدهما بالوفاء بوعده حمله الحاكم ما تضرر به الآخر من الضرر المالي الفعلي الذي حدث بسبب تخلفه عن الوفاء. وهذه النتيجة مختلفة تمامًا عن نتائج إنجاز العقد الذي ينقل المعقود عليه من ذمة إلى ذمة.
ولذلك قلت إنه نظرًا لهذه الفروق ينبغي أن نفرق بين المواعدة وبين العقد ولكن لا يصار إلى إلزام هذه المواعدة إلا عند الحاجة، والحاجة معترف بها في عقود التوريد.
فهذا ما أردت أن أضيفه إلى ما ذكره فضيلة الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان حفظه الله تعالى وجزاه خيرًا.
والآن انتقل إلى موضوع المناقصة. والمناقصة طريقة تتبعها جهات تريد شراء سلع أو خدمات بأقل ما يعرض عليهم من سعر. وهو في حقيقته ضد المزايدة أو بيع من يزيد.
وإن المناقصات في عصرنا تجري إما في عقود المقاولات أو في عقود التوريد. والطريقة المتبعة لإجراء المناقصة أن الجهة التي تريد أن تعقد مع مقاول لبناء عمارة مثلًا وتريد أن يتقدم إليه المقاولون بعروض مختلفة فإنها تدون تفاصيل البناء ومواصفاتها وشروط العقد في دفتر ثم تدعو المقاولين إلى المناقصة عن طريق الإعلان في الجرائد أو الصحف، وعلى أساس هذا الإعلان يتقدم المقاولون بعروضهم مع مبلغ الضمان الابتدائي ثم إن الجهة الطالبة للمناقصة تفتح الظروف المختومة، وتختار العرض الأقل سعرًا ويرسو عليه العطاء.
وقد توسع سعادة الدكتور رفيق يونس المصري والشيخ العلامة حسن الجواهري في بيان حقيقة المناقصة والفرق بينها وبين المزايدة والمساومة، حيث إن المزايدة يجريها البائع ليحصل على أكثر ما يكون من ثمن، والمناقصة يجريها عامة المشترون أو المستصنعون ليحصلوا على أقل عرض لثمن البضاعة المطلوبة أو العمل المطلوب. وإن المشتري في المساومة يتخير من شاء من الباعة والمناقصة تفتح الباب لجميع الباعة على قدم المساواة.