للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر الشيخ حسن الجواهري فرقًا آخر بين المناقصة والبيوع العادية وهو أن المناقصة يسقط فيها خيار المجلس.

والمهم هو التكييف الفقهي للمناقصة، وبما أن هذه ظاهرة جديدة أوجدتها حاجات المشاريع الكبيرة من التجارة فإنه لا يوجد ذكر للمناقصات في الكتب الفقهية. ولذلك لم ينص أو يصرح أحد من الفقهاء القدامى بهذا العقد.

وتكييفها الفقهي فقد ذكرت في بحثي أن تكييفها الفقهي يختلف باختلاف موضوع المناقصة فإن كان موضوعها عقدًا يجوز إنجازه على الفور مثل بيع المبيعات المملوكة للبائع، أو عقد الإجارة، أو الاستصناع، أو المقاولة، فالدعوة إلى المناقصة دعوة إلى هذه العقود. أما إذا كان موضوع المناقصة توريد أشياء غير مملوكة للبائع فقد ذكرت في بحثي في التوريد أن اتفاقية التوريد في هذه الحالة مواعدة لإنجاز العقد في المستقبل فليس هناك إيجاب وقبول لإنجاز العقد في هذه المرحلة، وإنما الإعلان الصحفي في مثل هذه المناقصة دعوة للتجار للدخول في مواعدة أو تفاهم عام، ولكن لا بأس أن تتخذ لها جميع الإجراءات المعهودة في المناقصة بشرط ألا يظن أن إرساء العطاء عقد بات للبيع، بل يرسو العطاء على أنه مواعدة من الطرفين ملزمة عليهما له إنجاز البيع في تاريخ مستقبل. أما الذين يقولون بأن عقد التوريد عقد للبيع ومنهم فضيلة الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان والدكتور رفيق والشيخ الجواهري فلا فرق عندهم بين الصورتين.

المسألة الثانية: في موضوع المناقصة هو أنه متى يتم الإيجاب والقبول في هذا العقد؟ :

وقد تعرضت لهذه المسألة وقلت: إنه قد يفهم بعض الناس أن الدعوة إلى المناقصة عن طريق الإعلان الصحفي إيجاب من قبل الجهة الطالبة، وإرساء العطاء قبول من قبل صاحب العطاء وليس الأمر كذلك لأن الإيجاب الفقهي لابد له من تحديد السعر، أما الإعلام الصحفي فلا يتحدد في السعر من قبل الجهة الطالبة للمناقصة. ولأن العقد لا يتم بمجرد فتح العرض الأقل فقد يحق للجهة الطالبة أن تجري مفاوضة مع صاحب العرض الأقل إذا كان سعره المعروض أكثر من سعر السوق وفي بعض الحالات الأخرى أيضًا. فالصحيح أن الإعلان الصحفي ليس إلا دعوة للدخول في العقد، والإيجاب الفقهي هو تقدم صاحب العرض بعرضه، ويتوقف قبوله على إرساء العطاء، فكلما رسا العطاء ولو بعد إجراء المفاوضة تحقق القبول وتم العقد إذا كان الموضوع بيعًا منجزًا أو إجارة أو استصناعًا. وهو الموقف الذي اختاره فضيلة الشيخ حسن الجواهري في بحثه. وهذا هو الموقف المختار عند الفقهاء في بيع المزايدة، كما يقول الحطاب – رحمه الله تعالى -: " أما بيع المزايدة فالحكم فيه أن كل من زاد في السلعة لزمته بما زاد فيها إن أراد صاحبها أن يمضيها له ".

<<  <  ج: ص:  >  >>