بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على رسوله الكريم.
في البداية أتقدم بالشكر الجزيل على هذا العرض المتميز للبحوث المقدمة لهذه الدورة في موضوع (عقد التوريد والمناقصات) لكن لي تعليق يقترب من تعليق فضيلة الشيخ عبد الله البسام وهو أننا في البداية عرضنا الأمر على أساس أنه عقد جديد وأنه من أهم وسائل التعامل المعاصر، وتحدثنا عن أهمية هذا العقد في البحوث التي بين أيدينا. ثم بعد ذلك ضيقنا هذا الأمر الواسع ودخلنا في محاولة تخريج هذا العقد على صيغ فقهية مقررة في السابق، بينما لدينا سعة كبيرة في مجال أن العقود الجديدة مرحب بها في الشريعة ما دامت قائمة على التراضي وما دامت لا تحل حرامًا ولا تحرم حلالًا. فلو دخلنا من هذا المدخل لكان الأمر في ظني أجدى وأنفع وبخاصة أننا لاحظنا أن معظم إخواننا قد توجهوا فيما قدموا من بحوث إلى الإباحة إلا في بعضها ورد بعض التقييدات وبعض الشروط البسيطة التي لو لجأنا فيها إلى معالجتها من المدخل الواسع لكان الأمر أجدى وأنفع. هذا تعليق بصفة عامة.
أما التعليق بصفة تفصيلية وخاصة على ما ورد من إحجاج فقهي في هذا المجال أبدأ بما يتعلق بعقد التوريد.
أطال الشيخ الجليل محمد تقي العثماني في تحليل أن الأمر من قبيل العقد وإنما هو من قبيل المواعدة اللازمة إلا إذا كان الأمر يتعلق بالصناعة فالأولى تخريجه على أنه عقد استصناع. وكرر أكثر من مرة بأنه مواعدة وليس عقدًا باتًا، والحقيقة أن هذا عقد، وجعل مضمونه المواعدة لا يخرجه من دائرة العقود لكنه عقد قائم على مواعدة بمضمونها، وإلا كيف نجوز بعد ذلك الإلزام على التنفيذ؟ فهو عقد ارتبط من خلاله الإيجاب بالقبول، لكن الإيجاب والقبول ليس الالتزامات اللاحقة، وإنما الإلزام بهذه الالتزامات اللاحقة، والعقود واسعة في هذا المجال فقد تكون عملية الإلزام بتحقيق التزامات لاحقة هي مضمون هذا العقد وهذا يجعل الذاهب إلى أنه عقد جديد وصيغة جديدة للتعامل أولى من محاولة حشر هذا العقد في الصيغ التي عرفها فقهاءنا وقررها الفقه على نطاق واسع.
ومن هنا أميل مع الوجه الذي عرضه لاحقًا الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان من أنه عقد جديد وبالتالي نخرج من كل هذه الإشكالات.
أما فيما يتعلق بعقد المناقصات، فإنني هنا أحب أن أنبه إلى أن القضية في النظر المعاصر أكبر من موضوع التوريد ومن موضوع المناقصة، وقد عرض بعض الباحثين لموضوع المزايدة كمقابل للمناقصة، لكن ما نراه في التعامل المعاصر يحصر المناقصة في زوايا معينة في التعامل الحكومي، ولدينا قضية أكبر وأوسع وهي قرينة للمزايدة وللمناقصة وترتبط بها في كثير من أحكامها ما يسمى (طرح العطاءات لتنفيذ الأعمال) ، وهنالك لدينا في الأنظمة الحكومية المعاصرة ما يسمى بـ (نظام الأشغال) وما يسمى بـ (نظام اللوازم) ونلجأ في هذين النظامين إلى قضايا المناقصة وقضايا المزاودة وقضايا طرح العطاء وتستخدم النظم المعاصرة في هذا المجال تعبيرًا آخر غير تعبير الضمان الذي درج عليه الإخوة الكرام في تحليلهم وهو ما يسمى (تقديم الكفالة) وبدل دفتر المناقصة هناك ما يسمى بـ (وثائق العطاء) ووثائق العطاء هو الذي غالبًا ما يحتاج إلى مخططات وتفصيلات ووثائق مواصفات عديدة وواسعة في هذا المجال. فكنت آمل أن البحوث تعرج على هذه القضية المرتبطة ارتباطًا كاملًا بهذا الموضع، ونفس ما يتقرر من أحكام في موضوع المناقصات يندرج عليها.