للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناحية الثانية هي أن الدول نظمت موازينها فهي تعرف ما هي في حاجة إليه ويكون هذا قبل إعداد الميزانية تعرف ما هي في حاجة إلية من ثياب للجيش ومن أحذية للجيش وتعرف ما هي في حاجة إليه من تجهيزات في المستشفيات ومن تجهيزات للمعاهد وللكليات والجامعات فهذه الحاجات لا يمكن أن تكون تتبع سعر السوق نزولا وهبوطا ولكن الميزانية لا بد أن تبنى على أمر ثابت حتى توزع توزيعا عادلا وحتى تكون الميزانية ميزانية صالحة للتطبيق لا تتناقض عند التطبيق.

فكان عقد التوريد الذي تنشئه الدول والدول لا تختزن كامل الميزانية في أول السنة حتى تستطيع أن تشتري سلما وإنما هي تحصل على الواردات شيئا فشيئا وتدفع الأثمان شيئا فشيئا فعقد التوريد إذن عقد فرض نفسه لأمرين: دخول الآلة والتنظيم الداخل اللازم في الدول وفي تنظيم ميزانية الدول فلو نظرنا في هذا العقد نجد أن العاقد أو المشتري يلتزم بشراء كمية محدودة معلومة موزعة لها مواصفاتها ويلتزم البائع أيضا بذلك ولكن هو ابتداء دين بدين حسب التعبير الفقهي وابتداء الدين بالدين لا شك في تحريمه وذلك أن المعاملات التي أباحها الله للناس إنما هي المعاملات التي يقع فيها تقديم مال مقابل عين أو العكس أما أن تصبح الذمم هي التي محل العقود فهذا فساد في الكون وفساد في المجتمع وخروج بالتعامل عن الأصل الذي وضع عليه. جاء الإخوان شكر الله لهم فنظروا في أبواب الفقه وفي جزئياته وأرادوا أن يجدوا مخارج لابتداء الدين بالدين.

أول تخريج رأيته هو أن ابتداء الدين بالدين ليس كفسخ الدين بالدين وأن ابتداء الدين بالدين لا مانع منه. واعتمد في هذا على مناقشة الإمام ابن تيمية في تحليله في لا في أصل القضية، فالإمام ابن تيمية لما قال: إن ابتداء الين بالدين حرام قال: " وذلك لأنه عمل لا فائدة منه " فناقشوا هذا التعليل وقالوا إنه فيه فائدة وأنه لولا أنه فيه فائدة لما أقدم عليه كل واحد من الطرفين فحتى لو فرض قبول هذه المناقشة لابن تيمية فإنما الذي يسقط هو تعليل ابن تيمية لا الحكم الشرعي الأصلي وهو النهي عن بيع الكالئ بالكالئ. آخرون نظروا في جزئيات من الفقه وابتسروها، وهذا ابتسارا أو قطع للنص عن تمامه فتمام النص أن صاحب المدونة يقول: " وليس هذا من باب الدين بالدين ". كما ابتسروا نصا آخر في المدونة وهو ما يسمى ببيع أهل المدينة في اشتراء اللحم لمدة زمنية معينة وأن يكون الثمن العطاء وقالوا: " هذا جائز وهو قد عمرت فيه الذمتان " ولم يتابعوا النص في نهايته ففي نهاية النص " أن هذا ليس من بيع الدين بالدين ". وهنا لابد أن نفهم أن هؤلاء الفقهاء الكبار الذين تركوا لنا هذه الثروة الفقهية ليسوا من البساطة في العقود أن يقولوا: (ليس هذا من بيع الدين بالدين) ثم يجدوه وهو في الواقع من بيع الدين بالدين. فما هو السر؟ السر في ذلك هو أن كراء الأرض لا يكون لازمًا إلا إذا كانت مأمونة بالسقي أو نزلت الأمطار بما تكفي للزراعة والإنبات، وأنه قبل هذه الفترة ولو للسنة ذاتها العقد غير لازم، فهو عقد منحل. ولما ذكروا قضية اللحم لمدة معلومة اشترطوا في ذلك شروطًا، الشرط الأول: وهو أن يشرع المشتري في أخذ القسط الأول من اللحم. وهو ما عبر عنه من قواعد الفقهاء المعلومة بأن قبض الأوائل يعد قبضًا للأواخر، فليس هناك تعمير ذمتين ولكن هناك تواصل يبتدئ من اليوم الأول الذي يأخذ فيه مشتري اللحم القسط الأول ينتهي في نهاية الشهر أو عند أجل العطاء الذي كان معلومًا كما قال مالك لما سئل عن هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>