للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذن القضية الكبرى الآن التي أمامنا – أو الإشكالية الكبرى – هو أنه عندنا عقد ضروري لابد منه لأنه لا يمكن أن نقول للعالم الإسلامي: اتركوا المعامل واستمروا في الصناعة اليدوية، ومن ناحية أخرى قاعدة من قواعد الشرع أو من الأحكام العامة أنه لا يجوز ابتداء الدين بالدين. فكيف يمكن التوفيق في هذه الإشكالية؟ هنا نعود إلى الأصول، فإنه لما تحدث الفقهاء أو كبار الفقهاء عن تقسيم المصالح المعتبرة ليس ذلك التقسيم هو تقسيم لإظهار الحكمة الشرعية في الأحكام الموجودة ولكنه فتح لآفاق التشريع الذي عبر عنه الإمام مالك بالمصالح المرسلة. فالمصالح المرسلة هي العودة بالقضايا الجزئية إلى هذه القواعد العامة التي انبنت عليها الشريعة والتي هي تراعى والتي كما قال المحقوقون من الأصوليين: إنها قواعد يقينية أكثر من الجزئيات لأنها مستمدة من جزئيات متعددة تصل بصاحبها إلى اليقين، فإذن الحجة متأكدة إلى هذه العقود، ولما كان هذا من نوع الحاجي الذي يوقع المسلمين في حرج إذا لم يراعوا الحجة، كما هو تعريف الحاجي، هنا نقول: إنه يقع الاقتصار في بيع الدين بالدين أو فيما يعبر عنه بهذه العقود أو ابتداء الدين بالدين يقتصر في ذلك فقط على هذه العقود التي يكون الناس في حاجة إليها، ولا تخرج خروجًا عامًا حتى تدخل فيها ما هو موجود الآن في الأسواق العالمية في بيع السلع من أنهم يبيعون بذمم ثم بعد ذلك تقع المقاصة بينهما، فبيع السلع بالذمم بيعًا عامًا هو قمار، وهذا القمار ممنوع وما أدى إليه ممنوع، فنقول: إن ابتداء الدين بالدين إذا لم يكن لحاجة هو ممنوع لأنه من القمار. وأما ابتداء الدين بالدين في عقود التوريد فهو جائز لحاجة المسلمين سواء أكان ذلك في دولهم أوكان ذلك في معاملهم.

هذا ما أردت تحريره في أصل القضية.

ثانيًّا: هناك قضية منهجية وأرجو أنه عندما يقع في البحوث مقارنة عقد بعقد ألا يقتصر على النواحي التي يتفق فيها العقدان، ولكن لابد من بيان ما يتفق فيه العقد مع هذا العقد والنواحي التي يختلف فيها هذا العقد مع هذا العقد، وأنه إذا اقتصرنا فقط على نواحي التشابه واعتمدنا قياس الشبه فقياس الشبه غير معتمد إنما المعتمد هو قياس العلة. ولذا لا أريد أن أذكر كل باحث بما اعتمده من قياس الشبه المبتسر ولكن أقول أرجو أن تكون هذه قاعدة في البحث.

الأمر الثالث والأخير – وأشكركم إذا صبرتم على إطالتي – هو أن يقع الالتزام بما اتفقنا عليه في جلستنا السابقة وما ذكرت به الأمانة العامة مشكورة ألا تطول البحوث إلى أكثر من مائة صفحة، فليختصر كل باحث بحثه على القضايا المرتبطة بالموضوع دون الدخول في قضايا أخرى بعيدة. وشكرًا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

<<  <  ج: ص:  >  >>