ثم استبعد الأستاذ المبلغ الذي يدفعه الطالب، استبعده من أن يعطي له اسم العربون قائلًا بأنه لا يمكن أن يكون عربونًا مبررًا ذلك بأن اتفاقية التوريد ليست عقدًا باتًا، والحال أننا إن حددنا الثمن والمقدار وتاريخ التسليم فلا مانع من تقديم عربون لتوثيق عملية الاتفاق على التوريد الذي سيشمل وقائع لابد من مراعاة مصالح طرفي العقد فيها، فكثيرًا ما يكون المحل بضاعة ستصنع أو سيتم شراؤها من جهات أخرى، أو إنتاج فلاحي يجنى في وقت معين، فكثيرًا ما يكون عليه الطلب خلال تلك المدة فإذا فاتت فرصته تغير الطلب على إثر ذلك، فهل من العدل أن يترك صاحب التوريد تحت اتفاق على وعد بالبيع؟ إنني أرى أن المصلحة الشرعية تقتضي أن يتم النص على أن هذا الاتفاق يجب أن يوثق إما بعربون أو بشكل آخر لا يجعل صاحب الطلب تحت رحمة اختيار المورد. وإن أحكام العربون في الفقه الإسلامي لا تتناقض مع هذا العقد. إذا كانت اتفاقية التوريد ليست عقدًا للبيع عند أصحاب القوانين الوضعية فإن هذا هو محل الريبة فيها عندنا نحن المسلمين، ولكن إذا نظرنا إلى مسيس الحاجة إليها اليوم تحتم علينا أن نبحث لها عن مندوحة تخرجها من الغرر الذي يحفها حسب المسطرة التي يتبعها أصحاب القوانين الوضعية ومراعاة لذلك فإن ما قاله القرافي من أن الناس يجب أن تتبع أعرافهم، حسب ما ذهب إليه عندما قال: إن حمل الناس على أعرافهم ومقاصدهم واجب، والحكم عليهم بخلاف ذلك من الزيغ والجور إذا لم تتناقض هذه الأعراف مع الشريعة، ولابن عرفة تعريف قيم لعقد السلم يمكن أن يسحب على عقد التوريد وذلك التعريف هو:" عقد معاوضة يوجب عمارة ذمة بغير عين ولا منفعة في غير متماثل للعوضين "، وقوله:" عقد معاوضة يشمل جميع أنواع البيع والكراء " وقوله: " يوجب عمارة الذمة " أخرج به بيع العين الموجودة. وفي المدونة أنه رخصة مستثناة مما ليس عندك على أن يكون المسلم فيه موصوفًا حتى يتم التأكيد على شرعيته، لأن التشريع الإسلامي لا يقر عمارة الذمة بغير مشروع لأنه غير محمي بقواعد الحكم التي تحتم على من عمرت ذمته أداء ما عمرت به.