للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما يقوله ابن تيمية وابن القيم من اعتماد الشريعة الإسلامية- بحسب الأصل لمبدأ الإثبات المطلق والتسليم بسلطة القاضي الواسعة في تقدير الأدلة التي تطرح أمامه، سواء أكانت من الأدلة التقليدية كالإقرار والشهادة واليمين، أم من غيرها مما يتولد عن الاستنباط العقلي والمنطقي كالقرائن، هذا الذي يقوله الإمامان العظيمان، هو ما يكاد (١) يجمع عليه الفقهاء المعاصرون ويؤكدونه بما هو ثابت قطعا من أن الشريعة الإسلامية تمنع القاضي أن يأخذ باعتراف قام الدليل على كذبه، أو أن يأخذ بأقوال شهود، تبين له بطريق آخر أن ما شهدوا عليه لم يقع، كما تمنعه من أن يرفض الحكم على مقتضى ما قطعت به الأدلة العقلية، مادام ذلك لا يصطدم بنص ثابت، ولا بدليل أقوى، ولا يعارض ما حرصت عليه هذه الشريعة الغراء من تضييق في إثبات الجرائم، وما احتاطت بشأنه من درء للحدود بالشبهات، وما انتهجته من عدم التقيد بطرق محددة في التحقق من صحة ما شهد به الشهود في الدعوى أو نفي ما قالوه، وما اتبعته دائما من تيسير على الناس في إثبات حقوقهم، في نطاق ما تقتضيه العدالة القضائية، مما جعلها تسيغ أن تبني الأحكام على إقرار المدعي عليه أو شهادة الشهود، مع احتمال أن يكون ذلك قد وقع استجابة لاعتبارات دفعت بالمقر إلى الإقرار بحق لا يلزمه، أو حملت الشهود على مجافاة الحقيقة بقصد أو بغير قصد. بل إن هذه الشريعة السمحة سارت في الحرص على مصالح الناس شوطا أبعد، فبعد أن أجازت بناء القضاء على الحجة الظنية كشهادة الشهود المبنية على المعاينة والمشاهدة، تنزلت عن ذلك، فأجازت الشهادة بالتسامع والشهادة على الشهادة، وشهادة المرأة الواحدة في الحالات التي توجبها الضرورة أو تستلزمها الحاجة. (٢)


(١) الشيخ علي قراعة- الأصول القضائية في المرافعات الشرعية- مطبعة النهضة- الطبعة الثانية سنة (١٣٤٤هـ/ ١٩٢٥م) ، ص٢٧٥- وفيه نسب إلى الإمام ابن الغرس- من فقهاء الحنفية- أنه وحده الذي انفرد بذكر القرينة القاطعة، ولم تعرف نسبتها إلى إمام في المذهب الحنفي أو كتاب معتمد فيه.
(٢) الشيخ أحمد إبراهيم- طرق القضاء في الشريعة الإسلامية- المطبعة السلفية ومكتبتها بالقاهرة سنة (١٣٤٧هـ/ ١٩٢٨م) ، ص٦، ٤٢٤. والدكتور محمد سليم العوا- أصول النظام الجنائي الإسلامي- دراسة مقارنة- دار المعارف- القاهرة- الطبعة الثانية- مايو سنة (١٩٨٣م) ،ص٣١٥، ٣١٦- فقرة ١٣٤. والدكتور محمد سلام مدكور- القضاء في الإسلام- دار النهضة العربية القاهرة سنة (١٩٦٤م) ، ص٧٨، ٧٩. والدكتور أحمد عبد المنعم البهي- من طرق الإثبات في الشريعة والقانون، دار الفكر العربي- الطبعة الأولى سنة (١٩٦٥م) ، ص ٧٥. والدكتور أنور محمد يوسف دبور - القرائن ودورها في الإثبات في الفقه الجنائي الإسلامي - رسالة دكتوراة - دار الثقافة العربية سنة (١٩٨٥م) ، ص٢٥ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>