وعلى خلاف الجمهور، ذهب فريق من علمائنا الأجلاء، على رأسهم الإمامان ابن تيمية وابن القيم، إلى أن طرق القضاء في الشريعة الإسلامية لا تدخل تحت حصر، فكل أمر يترجح عند القاضي أنه دليل على إثبات الحق هو طريق من طرق الحكم، وعلى القاضي أن يحكم به.
ولعل أساس الخلاف بين فقهائنا الأفذاذ، يكمن في تفسير معنى (البينة) ، التي وردت في الشرع كدليل من أدلة الإثبات:
فالجمهور يرون أنها إذا أطلقت انصرفت إلى الشهادة وحدها، ويستدلون على ذلك بتطبيقات وردت في السنة الشريفة، فسرت البينة بأنها الشهادة.
بينما يرى الإمامان ابن تيمية وابن القيم (أن البينة اسم لكل ما يبين الحق ويظهره، ومن خصها بالشاهدين أو الأربعة أو الشاهد، لن يوف مسماها حقه، ولم تأت البينة قط في القرآن مرادا بها الشاهدان، وإنما أتت مرادا بها الحجة والدليل والبرهان، مفردة ومجموعة، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم ((البينة على المدعي)) المراد منه أن عليه ما يصحح دعواه ليحكم له، والشاهدان من البينة ولا ريب أن غيرها من أنواع البينة قد يكون أقوى منها، كدلالة الحال على صدق المدعي، فإنها أقوى من دلالة إخبار الشاهدين) . (١)
(١) الإمام ابن القيم الجوزية- الطرق الحكمية في السياسة الشرعية- تحقيق الأستاذ محمد جميل أحمد سنة (١٩٦١م) – مطبعة المدني، ص١٣.