ولا ريب أن هذه الوقائع المادية مما يتعذر إعداد الدليل بشأنها مسبقا، وقد يتعذر الدليل المباشر عليها، أو يتعسر، لاسيما حين يعمد مرتكبو الوقائع الجنائية إلى الإمعان في التخفي فلا يشهد جرمهم أحد، أو الإمعان في الجرأة على الحق فلا يعترف الجاني الحقيقي بما اقترفته يداه، مما لا يكون معه أمام القاضي، للوصول إلى الحقيقة التي يتغياها، إلا أن يعمد إلى الوقائع المرتبطة في محاولة لاستنطاقها، والاستدلال بها على ما قد يكون لازما أو مرتبطا بها، مما قد يغفل عنه الجاني أو لا يدرك ما تدل عليه.
وفضلا عن ذلك، فإن التقدم العلمي في العصر الحاضر قد زاد القرائن أهمية بالنسبة للوقائع المادية: ذلك لأن الإجرام أسبق دائما إلى الاستفادة بالتطورات العلمية، لاسيما مع اتجاه الجريمة إلى العالمية والدولية، والانتظام في عصابات دقيقة التنظيم جيدة التدريب حريصة كل الحرص على أن تفوز بالغنيمة دون أن تترك ما ينم عنها أو يكشف عن أفرادها، ومن ثم فقد أصبح من الضروري مجابهة العلم بالعلم واستخدام وسائل الكشف المعدة سلفا أو المصاحبة للجريمة أو اللاحقة عليها، ليتسنى بهذا دحض الأساليب الإجرامية المبتكرة، ولن يكون ذلك إلا عن طريق الاستعانة بالقرائن في الإثبات.
ذلك كله عن الوقائع المادية وأهمية القرائن في إثباتها.